( تحديات وآفاق) الذي استمر لثلاثة أيام اعتباراً من 11¯ 13 / 7 / 2005 بحضور الوفود العربية المشاركة من لبنان وفلسطين والمغرب واليمن والسعودية والكويت وقطر وتونس إضافة إلى سورية الدولة المستضيفة ( الثورة) تابعت فعاليات المؤتمر ورصدت اللقاءات التالية:
مفهوم التنشئة الاجتماعية
بعد الافتتاح الرسمي, ألقى الأستاذ وليد حمادة من وزارة التربية في الجمهورية العربية السورية محاضرة بعنوان ( دور التعليم في التنشئة الاجتماعية) كان للثورة لقاء معه حيث تحدث حولها قائلاً:
في البداية لابد من التعريف بالتنشئة الاجتماعية التي هي العملية التي يتم من خلالها دمج الفرد في المجتمع, ودمج ثقافة المجتمع في الفرد وهي عملية تعلم يستطيع الفرد من خلالها أن يتكيف مع معايير وتصورات وعادات وقيم الجماعة التي يعيش فيها وتتم التنشئة من خلال تفاعل الطفل مع الراشدين المحيطين تفاعلاً مباشراً ليكتسب هويته الشخصية ويسهم في تجديد ثقافة مجتمعه وتصبح الشخصية قادرة على الابداع والتأثيرات في المجتمع.
والتنشئة الاجتماعية تتميز بجملة خصائص أهمها: عملية تعلم واكتساب اجتماعي يتعلم فيها الطفل عن طريق التفاعل أدواره الاجتماعية, وعملية تحقيق الفرد بعده الاجتماعي, وهي دائمة ومستمرة تبدأ من المهد حتى الشيخوخة ودينامية تشتمل على جدل التفاعل بين الفرد والمجتمع, وتنمية الموارد الإنسانية تأتي في أولويات التنمية الشاملة وتسهم المؤسسات التعليمية في بناء شخصية المتعلمين على أساس الأدوار الاجتماعية المناطة بهم والأسس الأولية للحقوق والواجبات, والمؤسسة تستطيع أن تعدل وتقوم الكثير من العادات والأنماط السلوكية التي اكتسبوها من أسرهم وإكسابهم عادات سليمة واتجاهات إيجابية, كما تستطيع أن تؤثر في مجمل حياتهم إذا قامت بوظيفتها على الوجه الأمثل, فهي مجتمع صغير تتجلى فيه القيم والاتجاهات التي يحرص المجتمع على غرسها في أبنائه والمعارف والمهارات التي لابد من أن يتزود بها الأبناء للتفاعل الإيجابي البناء مع بيئتهم ومع العصر الذي يعيشون فيه مواكبة وفهماً وتمثلاً وتتجلى وظائف المؤسسة التعليمية في التنشئة بتنمية شخصية المتعلمين, والاهتمام بحاضرهم وإعدادهم للمستقبل ونقل التراث الثقافي للجيل, وتنمية القيم الأخلاقية والاجتماعية وكذلك تصحيح الأخطاء التربوية التي قد ترتكبها النظم الأخرى في المجتمع, والتنسيق مع المؤسسات الاجتماعية لتنشئة الجيل الجديد, وتعميق الانتماء القومي فكراً وقيماً وسلوكاً إلى جانب الاهتمام بلغة العصر واستخدام التقانات.
واقع التعليم العربي
وفي رؤية نقدية تقويمية لأداء النظام التعليمي العربي يقول السيد حمادة: إذا نظرنا بموضوعية إلى واقع التعليم العربي نلاحظ أن هناك مجموعة مشكلات أهمها الهوة بين الآمال والواقع, ونوعية إدارة النظام التعليمي التي تتسم بالتقليدية والمركزية الشديدة وتضخم في أعداد الموظفين والموقف السلبي من استخدام الثقافة الحديثة, وجودة التعليم ونوعيته حيث لا يزال التوجه منصباً على التوسع الكمي على حساب الجودة والنوعية, كما أن تحويل التعليم رغم زيادة الإنفاق لا يفي بالغرض كذلك وضع المناهج وطرق التدريس فإنها تدار بصورة مركزية غير مرنة تنطلق من المفاهيم القديمة للتربية, وبالنسبة لواقع المعلم العربي فإنه واقع معاشي صعب يتمثل في ساعات تدريس طويلة وعدم مواكبة التطور, كما أن المباني المدرسية تعاني من الناحيتين الكمية والنوعية من إشكالات الخدمات والتجهيزات وهناك المدارس الطينية والمستأجرة والمدارس ذات المعلم الوحيد...
أما نظم الامتحانات فإنها محورية هدفها اجتياز الامتحان فقط إلى جانب كل ما ذكر هناك تقصير في نشر ثقافة المعلوماتية وعجز النظام التعليمي عن استيعاب الراغبين في التعليم ومشكلة ضعف الأداء في اللغة العربية, وقلة الاعتماد على البحث العلمي.
ولتستطيع التربية العربية النهوض بالواقع والارتقاء به لابد لها من العمل على تحديد الفلسفة التربوية العربية انطلاقاً من الواقع الاجتماعي والتربوي, وضرورة الربط الشامل بين الخطة التربوية ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية, والأخذ بالمفهوم المنظومي في إصلاح النظام التربوي ووضع الأولويات للتعليم الأساسي للصغار والكبار (الأميين) وإيلاء الطفولة المبكرة كل الاهتمام مع التعليم المهني والتقني, والجمع بين الأصالة والمعاصرة في التربية العربية إلى جانب الاهتمام باللغة العربية واللغات الأجنبية وتطوير المناهج والتركيز على البحث العلمي...الخ
وتتمثل الأهداف والأساليب التي يجب على النظام التعليمي أن يسهم بها في تنشئة المتعلمين في التعلم الذاتي وتطوير القدرة على حل المشكلات واتباع التفكير العلمي والحق في المعرفة, والحفاظ على اللغة العربية وتنمية القيم الروحية والإبداع, وتأكيد قيمة الأسرة والحوار بين الأجيال.
أما متطلبات مساهمة التعليم في التنشئة الاجتماعية فيبين السيد وليد أنها تكون بإعداد المعلم إعداداً كافياً بعيداً عن التقليد وفي إطار استراتيجية متكاملة تأهيلاً وتدريباً وثقافة ومواكبة للتطورات.
مشكلات إعداد المعلمين وتدريبهم
عن هذه المشكلات يتحدث المحاضر موضحاً أن القصور في بناء الاستراتيجيات التي تتعلق بالإعداد والتدريب على أسس علمية, وضبابية الأهداف المرسومة, وغلبة النمطية على الموضوعات والتباين في مستوياتها إضافة إلى نمطية طرائق التدريس, وعدم توافر المدربين الأكفاء وافتقار مؤسسات إعداد المعلم وتدريبه للبحث والتجريب التربوي مع شكلية التقويم وعجز برامج التدريب عن تزويد المعلم بمهارات التعلم الذاتي كلها تقف عائقاً في وجه تطوير التنشئة الاجتماعية السليمة.
كما أن تطوير العلاقة بين المعلم والمتعلم, والاهتمام بالنشاطات اللاصفية والتعلم بالمشاركة والتعلم الحواري والجماعي, واتباع أساليب تكنولوجيا التعلم ووسائطه, وتطوير المناهج (المقررات) وأساليب التقويم, والعلاقة بين المؤسسة التعليمية والأسرة كلها من القضايا الأساسية التي ترتقي تعليمياً في تحقيق التنشئة السلمية.
والمؤسسة التعليمية كمؤسسة اجتماعية تربوية تقوم بمهمة التربية إلى جانب الأسرة لذلك هي متممة لعمل الأسرة التربوي والاجتماعي وعليهما التعاون لتنشئة جيل جديد يؤمن بثقافة المجتمع ويسير ضمن إطاره.
منهج المهارات الاجتماعية ودورها
وعن دور المهارات الاجتماعية في التنشئة تحدثت الدكتورة مها الهنداوي الاستشارية في الإرشاد النفسي في مركز الاستشارات العائلية ومدرس مساعد في جامعة قطر قائلة:تم التوصل إلى قناعة بأن معظم المشكلات الاجتماعية والأسرية تعود في الأساس إلى افتقار الأفراد لمهارات التفاعل الاجتماعي مع بعضهم البعض, ولو أمعنا النظر في مصطلح (المهارات) لأدركنا أهمية المنهج المعتمد, ونجاح الفرد في اكتساب مهارة معينة لا تعني تطويعه لتلك المهارة في تحقيق رغبة محددة. والنجاح في إقامة علاقة اجتماعية مع الآخرين بقدر ما يعتمد على الإمكانات الذاتية والقدرات الخاصة والذكاء الاجتماعي فإنه يعتمد في نفس الوقت على مدى إقناعنا واقتناعنا بحاجتنا للآخر وحاجته إلينا.
وقدمت الدكتورة الهنداوي تجربة قطرية في منهج المهارات الاجتماعية تضمنت فلسفة المقرر الذي اعتمد منهجية مباشرة إلى جانب تقديم السلوك الصحيح بدلاً من العقاب على السلوك الخاطىء, حيث إن عقاب الطفل على سلوكه الخاطىء يولد لديه الابتعاد عن السلوك نهائياً وفقاً لنظرية الارتباط الشرطي, وتكوين اتجاهات عكسية للتمرد على العقاب وتحدي الآخرين بالإصرار على الفعل, وتكوين اتجاهات الانطواء والخوف وبالتالي كبت الرغبات والميول وعدم المشاركة.
وتأتي أهمية المقرر من بناء الشخصية السوية الناجحة, وتعزيز التحصيل الدراسي, وتخفيف منابع التوتر في العلاقات الاجتماعية بين الأفراد, والمهارات المقصودة من خلال المنهج يهدف إلى إكساب الطفل مهارات تتواءم مع مستوى عمره وإدراكه من رياض الأطفال حتى المستوى السادس, وهنا يكتسب مهارات في استراتيجيات الانضباط والتفكير قبل التنفيذ, والاستماع واتباع القوانين, واتباع التعليمات واحترام الآخرين وضبط الذات والتعامل مع ضغط الأقران...الخ
ومن المستوى السابع حتى الثاني عشر مهارات الاستماع والمحادثة, والإقناع ومساعدة الآخرين واستخدام مكافأة الذات, وجمع المعلومات وترتيب الأولويات وصناعة القرار...الخ
وفي التطبيق ورغم حداثة التجربة تبين الدكتورة الهنداوي نجاح المنهج في إحداث تغيرات جوهرية في اتجاهات الطلاب الفكرية والسلوكية ما يعني ضرورة استمرار التجربة واتساعها لتشمل عينة أخرى من مدارس مختلفة, وتؤكد من خلال التجربة أن المنهج لا يزال تحت التجربة رغم تحقيق أهدافه, ويمثل مشاركة إيجابية من مؤسسات المجتمع العلمية في الجامعة في تطوير التعليم وتنويع مجالاته, بعد ذلك تمت مناقشة هذه التجربة من قبل المشاركين مؤكدين على ألا تبقى هذه القضايا في إطار نظري, بل ضرورة البحث في الأسباب والنتائج وما هو الأسلوب المتبع في تقييمها, وموقع المركز ومدى تقبل أولياء الأمر للتدخل في أمور الأسرة وعرض مشكلاتها.