قررت تركيا العودة إلى محيطها الإسلامي وعدم الضغط تجاه الدخول إلى الاتحاد الأوروبي.
منذ زمن طويل، والحديث يدور عن دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لكن البعض بدا متردداً، ولاسيما فرنسا وألمانيا، رغم إدراكها لأهمية تركيا، تطول الأمور، والسنوات تجري، وقد نفد صبر تركيا، وإن كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ما انفك ينبه إلى أهمية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لكي تقيم جسور التواصل بين العالمين الاسلامي وأوروبا وبقية العالم، لكن كأن شيئاً لم يكن.
والاستنتاج أن أوروبا كانت السبب الجوهري في تلك التحولات التي أظهرتها تركيا خلال انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، في 29 كانون الثاني الماضي، والبداية كانت عندما أنحى أردوغان باللوم على منظمي المنتدى أنهم عاجزون عن الرد على شمعون بيريز أثناء النقاش الذي دار حول الشرق الأوسط.
فبالنسبة له، فإن العدوان الإسرائيلي على غزة هو عملية مدمرة، ولايمكن بأي حال من الأحوال تبريرها أو الدفاع عنها.
وقد أعقب ذلك سيل من القرارات أو التصريحات. أردوغان أظهر أيضاً شجاعة وجرأة في اتهاماته «لإسرائيل» ففي جلسة للبرلمان التركي، طالب أردوغان «إسرائيل» بوضع حد فوري للحصار الذي تفرضه على غزة لأن مايجري هناك هو أمر يدعو للقلق ولايمكن السكوت عليه، ولم يفت أردوغان أن يوضح أن ردة فعله هذه «ليست لأنه مسلم ولكن بصفته كائناً إنسانياً» ومن ثم أطلق اتهامه الأشد خطورة: «من الناحية القانونية، حصار غزة هو جريمة ضد الإنسانية، وعلى المجتمع الدولي أن يضع نهاية لذلك، لأنها مأساة إنسانية حقيقية».
تركيا تعبر عن استقلاليتها
من ناحية أخرى، علقت تركيا مؤخراً مشاركة سلاح جوها في المناورات العسكرية التي تجريها بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي في الأناضول، والواضح أن البلاد قد طفح كيلها من العملية العسكرية ضد غزة، ومن مماطلات الاتحاد الأوروبي، وأردوغان الذي لم يتحفظ في انتقاداته «لإسرائيل»، تقرب من إيران وسورية،مجدداً بذلك جذوره الشرقية، ولا سيما عندما وقع العديد من اتفاقات الشراكة مع بغداد ودمشق، أردوغان أيضاً كان أول المهنئين للرئيس أحمدي نجاد بعد إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية في حزيران الماضي.
وبعد أن شدد مواقفه تجاه «إسرائيل» وخصوصاً بمناسبة صدور تقرير غولدستون الذي أعلنت تركيا تأييدها، هاهي مرحلة جديدة من التقارب التركي الإيراني، وفيما يخص الترسانة النووية، طالب أردوغان بمحاكمة دولية لإسرائيل، وأضاف: إنه لايجب التغاضي البتة عن نظام الحماية الممنوح «لإسرائيل»، وقد ندد بالانحياز الذي يبديه الغرب تجاه إيران وبرنامجها النووي، ففي حديث أجرته معه صحيفة «الغارديان» البريطانية، اعتبر أردوغان أن الاتهامات الغربية الموجهة إلى طهران والمشككة برغبة هذه الأخيرة امتلاك القنبلة النووية، هي «محض افتراء» وتابع القول: إنه ضرب من الجنون توجيه أي ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، وليختم كلامه بالقول: من جهة يتحدث الغرب عن رغبته في السلام والاستقرار العالمي، ومن جهة أخرى يسعى إلى تدمير بلد عمره التاريخي عشرة آلاف عام».
التقارب مع إيران
الأزمة الكامنة بين «إسرائيل» وتركيا، لاتزال حتى اللحظة أزمة صامتة، لكن الخوف كل الخوف أن تتحول لاحقاً إلى أزمة حادة، في حين يجري الحديث عن تدخل إسرائيلي ضد إيران، وأن «إسرائيل» هي أحوج مايكون إلى حياد تركيا السخي أثناء خوضها للعمليات العسكرية، وألا تجد نفسها معزولة في المنطقة وعرضة لسخط الرأي العام العالمي، فجأة وجدت نفسها أي «إسرائيل» أمام محنة ومن نوع جديد، فرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قرر الذهاب إلى طهران وبصحبته «200 شخصية سياسية واقتصادية، ومن ضمنهم وزراء التجارة والخارجية والطاقة، وبالإضافة إلى 18 نائباً» وقد وصف أردوغان الرئيس الإيراني نجاد بالصديق، آملاً بتوقيع اتفاقيات تجارية مع بلد «يُشيطنه الغرب».
من جانبه، هنأ الرئيس أحمدي نجاد وبحرارة صديقه الجديد على مواقفه التي اتخذها معتبراً أن تصريحاته قد لاقت ترحيباً طيباً في العالم كله، موضحاً أن النظام الصهيوني يمثل تهديداً للجميع..
ويعمل بكل ما أوتي من قوة على ألا تظهر قوة جديدة أو بلد قوي في المنطقة، وقد صرح نجاد بمناسبة الحديث عن توثيق عرى الصداقة والعلاقات بين البلدين قائلاً: «تركيا وإيران لهمامصالح مشتركة وهما يتعرضان للتهديدات ذاتها، وإذا ماتم التعاون فيما بيننا فسوف يكون في مقدورنا تذليل كل الصعوبات لما فيه خير الشعبين التركي والإيراني».
تحول حاسم على المدى الطويل
إن تغير الاتجاه في السياسة التركية، سوف يحمل في طياته وعلى المدى الطويل، تحولات عميقة على الحليف الأميركي- الإسرائيلي بوجه خاص، وعلى المجتمع الدولي عموماً، فتركيا تحتل موقعاً استراتيجياً على المسرح الدولي، وهي همزة الوصل بين العالمين الغربي والشرقي، وبما أن تركيا قد عيّل صبرها من مماطلات الاتحاد الأوروبي يسعى اليوم أردوغان إلى لعب الورقة الشرقية، وعندها سوف يكون مجال المناورة أكبر، والتأثير في القرارات الدولية على نطاق أوسع، إلى حد إلحاق الضرر بالمصالح الأطلسية في المنطقة، كيف ذلك!! على سبيل المثال من خلال منعه الطيران في أجوائه في زمن النزاعات والحروب، أو رفض مساعدة حلف الأطلسي لتحقيق أهدافه في الشرق الأوسط.
وحري بنا القول: إن الغرب هوبلاشك في طريقه إلى خسارة ورقة رابحة أساسية في هذا الجزء من العالم، فهذا الانقلاب في السياسة ينذر بعواقب جد خطيرة، ولاسيما إذا وثقت أنقرة علاقاتها مع إيران، التي أقر التحالف الغربي بمعاداتها.
بقلم: ايفا-ر-سيستون