واعتبارها مقترحات نتنياهو بخصوص تجميد الاستيطان لستة أشهر لا تشمل مدينة القدس المحتلة بأنها «بادرة غير مسبوقة» وتبنيها لموقف دولة العدوان بدعوة الفلسطينيين لاستئناف المفاوضات حالاً والتخلي عن شرط وقف الاستيطان.
عندما يتعلق الأمر بالكيان العنصري الصهيوني فإنه لافرق بين إدارة أميركية جمهورية أو ديمقراطية، هذا بالضبط مايظهر من خلال التراجع المستمر من جانب إدارة أوباما، فالرئيس الأميركي الذي دخل البيت الأبيض كأول رئيس أسود رافعاً لواء التغيير داخلياً وخارجياً، بعث الأمل في نفوس الفلسطينيين أو على الأقل المؤمنين بنهج التفاوض منهم بتمسكه بوقف الاستيطان قبل الشروع بالمفاوضات، لكنه سرعان ما انقلب على نفسه إزاء تعنت حكومة العدو برئاسة نتنياهو وتمسكها بمواصلة النشاطات الاستيطانية، فاستحضر السياسة الأميركية الدائمة بالضغط على الطرف الضعيف وهو الجانب الفلسطيني نزولاً عند الموقف «الاسرائيلي» المتعنت.
لقد جاءت تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية منسجمة مع التراجع الواضح في مواقف إدارة أوباما، ويبقى السؤال المهم: ماذا تبقى للفلسطينيين كي يفاوضوا عليه في وقت تبتلع فيه اسرائيل المزيد من الأراضي الفلسطينية بما في ذلك مدينة القدس؟
إن كلينتون في زيارتها الثانية هذه قد زادت إلى الإحباط مزيداً من الإحباط في تصريحاتها تلك وجاءت لتزيد الطين بلة بإشادتها بموقف نتنياهو الذي يرفض تجميد الاستيطان نهائياً في مدينة القدس المحتلة، ويصر على بناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية استيطانية في الضغة الغربية.
وإذا كان تراجع الإدارة الأميركية مرفوضاً من قبل الفلسطينيين، فكيف يمكن قبول هذا التراجع الأميركي الذي يصل إلى حد الإشادة وإبداء الإعجاب بالتصلب الإسرائيلي؟ مافعلته كلينتون يؤكد مرة بعد الألف الانحياز الأميركي الكامل لمصلحة الكيان الصهيوني ويجعل الولايات المتحدة وسيطاً غير نزيه أو مؤهل للقيام بدور أساسي وفاعل في تحقيق تسوية مقبولة ولو بالحد الأدنى لدى أطراف الصراع العربي - الاسرائيلي.
كما يظهر أن الإدارة الأميركية الحالية تفتقر إلى أبسط مقومات العمل وسط الأزمات المعقدة التي تواجه السياسة الأميركية .
كان خطاب أوباما في القاهرة قد أشاع مناخات مريحة نسبياً لدور أميركي مختلف حين وضع الصراع العربي - الإسرائيلي في سياق تاريخي أوحتى للفلسطينيين وسواهم، إن هذه الإدارة تملك فهماً أعمق لهذا الصراع، والآن بعد جولة السيدة كلينتون يبدو أن كل الآمال تبخرت.
ربما تجاهلت وزيرة الخارجية بأن القدس هي لب الصراع ومن دونها لن يكون حل حتى لو تعاطت دولة العدوان مع المطالب الفلسطينية الأخرى في قضايا الحل النهائي.
لقد كانت قضية القدس السبب في فشل مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000 كما كانت السبب المباشر في انتفاضة الأقصى في أيلول من العام نفسه إثر الزيادة الإستفزازية التي قام بها شارون للحرم القلدسي الشريف، وربما تكون شرارة انتفاضة ثالثة مختلفة هذه المرة.
وإذا لم يدرك أوباما وإدارته هذه الحقيقة ومكانة القدس لدى الفلسطينيين والمسلمين في أرجاء المعمورة، فإن هذه الإدارة عليها أن تنفض يدها من عملية التسوية السياسية.
إن دولة الاحتلال تدرك جيداً أهمية القدس لدى الفلسطينيين، وهذا ما يبرر سعيها المحموم لجعل القدس ملفاً معقداً لايمكن التفاوض عليه.
إن دولة العدوان بممارساتها العنصرية تجاه المقدسيين ومدينة القدس المحتلة تحاول أن تجعل من تلك الأحداث مجرد أحداث اعتيادية يومية يعتاد عليها المواطن الفلسطيني والعربي، وذلك بغية اقتناص الفرصة المناسبة لتهويد المدينة بالكامل والانقضاض على المسجد الأقصى الذي تنخر الأنفاق والحفريات من تحت أساساته.