|
صفحات مجهولة من مأساة النكبة للروائية إيثيل مانين...الطريق إلى بئر سبع شؤون سياسية وجدتها عند أحد باعة الكتب القديمة في سور الأزبكية ( أو ماتبقى منه)، وهي رواية تحكي في قالب أدبي مؤثر مأساة نكبة 1948، من خلال قصةعائلة مسيحية فلسطينية يتم تهجيرها من اللد إلى رام الله إلى أريحا، مشياً على الأقدام مع وصف دقيق لمشاهد الموت البطيء وآثار الإجرام الصهيوني لانتزاع شعب من أرضه وزرع قطعان من المستوطنين الغزاة محلهم، وكيف تفرقت السبل بهذه العائلة إلى موت وهجرة واستشهاد في تتابع ملحمي لفصول وأحداث الرواية الرائعة بكافة المعايير الفنية. تقول مانين: حتى 29 أيلول سنة 1947 كان ثمة بلد يسمى فلسطين، هو الوطن العتيق للفلسطينيين القدامى، وهو بلد عربي الصبغة بصورة واضحة، وحين صدر إعلان «بلفور» في أيلول سنة 1918 مؤذناً أن الحكومة البريطانية تؤيد «قيام وطن قومي لليهود في فلسطين» كانت غالبية السكان هناك من العرب، بنسبة تزيد على 90٪ وكان في فلسطين في ذلك الوقت نحو 50،000 يهودي، أما المسلمون والمسيحيون فكان عددهم وقتئذ نحو 670.000 ولكن في سنة 1915 كان السير «هربرت صمويل» اليهودي والصهيوني البارز قد نادى في مذكرة بعنوان «مستقبل فلسطين» بهجرة ثلاثة أو أربعة ملايين من اليهود إلى فلسطين تحت الحماية البريطانية، فوضحت من ذلك المطامع الصهيونية بصورة لاخفاء فيها وثبت أن ما يرمون إليه ليس إنشاء وطن قومي وملاذاً لضحايا الاضطهاد من اليهود في مختلف البلدان، بل الهدف الحقيقي هو إقامة دولة يهودية مكتملة الأركان!. ثم تواصل مؤلفة الرواية مقدمتها السياسة قائلة: وعند نشوب الحرب العالمية الثانية لم يكن الوطن القومي لليهود قد تحقق في صورة ذاتية، ولكن تعداد اليهود كان قد قفز من 50،000 إلى 600،000 وكانت حكومة الانتداب قد منحت اليهود سيطرة متزايدة على مقدرات البلد الاقتصادية، وكانت الصناعات الصهيونية تتمتع بحماية الحكومة، في حين كانت القرى العربية تدمرلتفسح المجال للمستعمرات الصهيونية، وصار لليهود مستشفياتهم ومدارسهم ومنظماتهم السياسية، وتمتعوا بمعاملة متحيزة من حماتهم البريطانيين. وكما كانت الحرب العالمية الأولى سبباً في إعاقة المطامع الصهيونية، كذلك عاقت الحرب العالمية الثانية الآمال العربية الوطنية، وثبت أن ما ادعي من اضطهاد نازي لليهود في ألمانيا كان سنداً قوياً للصهيونية.. فتألفت لجنة أنكليزية أميركية- ثلاثة من بين أعضائها الستة من غلاة الصهيونية- زارت فلسطين في سنة 1946 وأوصت في تقريرها بإدخال مئة ألف يهودي فوراً إلى فلسطين، وقد استعجل الرئيس (الدمية) على حد تعبير مؤلفة الرواية ترومان تنفيذ ذلك، مع ترك الباب مفتوحاً لمزيد من التهجير مستقبلاً!. ولما لم يصل مؤتمر فلسطين المنعقد في لندن في سنتي 1946 و1947 إلى اتفاق، لأن ممثلي العرب في ذلك المؤتمر طالبوا بقيام دولة عربية ديمقراطية مستقلة في فلسطين، أحيلت «مسألة فلسطين» إلى الأمم المتحدة وخصصت دورة غير عادية للفصل فيها، وتحت الضغط الصهيوني الذي تؤيده الولايات المتحدة، أوصت اللجنة الخاصة التي ألفتها الأمم المتحدة لشؤون فلسطين بتقسيم ذلك البلد. ثم تذهب المؤلفة إلى القول: وخطة التقسيم التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة أعطت 60٪ من فلسطين- بما في ذلك أخصب المناطق- لثلث السكان وهم اليهود، أما المليون فلسطيني وهم كل سكانها تقريباً فقد انتزعوا من مواطنهم وجردوا من أملاكهم خلال الحرب الني نشبت بين العرب واليهود إثر قرار التقسيم وكل ماتبقى من أرض فلسطين العربية على الضفة الغربية لنهر الأردن ضُمّ إلى شرق الأردن على الضفة الشرقية من ذلك النهر. وبذلك قامت المملكة الهاشمية الأردنية، والشريط الضيق المتاخم لسواحل البحر الأبيض والبالغ طوله 25 ميلاً وعرضه 5 أميال ( وهو كل ماتبقى من ولاية غزة، إحدى ولايات فلسطين الحرة)، قامت مصر بإدارته، وقد منح الرئيس ناصر في سنة 1962 تلك المنطقة دستوراً للحكم، ولاتزيد هذه المنطقة على أن تكون معسكراً فسيحاً للاجئين. ومن بين المليون من الفلسطينيين على وجه التقريب الذين فروا من بلادهم نتيجة للإرهاب الإسرائيلي- الذي من أمثلته مذبحة (دير ياسين) في نيسان سنة 1948- أو الذين طردوا من بيوتهم- (الأمر الذي ينكره الصهيونيون رغم الأدلة الدامغة) - من هؤلاء المليون يعيش أكثر من نصف مليون في أسوأ حال بتلك المعسكرات التي تمدها الأمم المتحدة بالمعونة منذ أواخر سنة 1949 أما الباقون فقد استوعبتهم بلاد مضيافة، ولكن هؤلاء جميعاً يطالبون باستعادة وطنهم لإعادة إسكانهم، وما من واحد منهم، سواء في المعسكرات أم في خارجها، تلقى «بنساً» واحداً على سبيل التعويض عن بيوتهم وأراضيهم وأموالهم التي استولى عليها الإسرائيليون!. وفي كل عام تعيد الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة تأكيداتها لحقوق عرب فلسطين اللاجئين في العودة إلى بلادهم، أو في التعويض الكامل إذا لم يرغب أحد منهم في العودة إلى حيث سيكون مواطناً من الدرجة الثانية في دولة يهودية، ولكن هذه القرارات لاتوضع قط موضع التنفيذ (ويلاحظ القارئ الكريم أن هذا القول صدر من المؤلفة في ستينيات القرن الماضي ولايزال يصدق على واقعنا اليوم 2009 ولنتأمل أحدث فصوله تقرير غولدستون عن مذابح العدوان الصهيوني على غزة، ولم ولن ينفذ أي من توصياته تماماً مثلما كانت القرارات السباقة)، ثم تعود المؤلفة لتقول: إن غولدا مائير وزيرة الخارجية الإسرائيلية وقتها- وفقاً للمؤلفة- أعلنت على النقيض من ذلك بصورة قاطعة أن «سياستنا لم تتغير، فنحن لن نقبل لاجئاً واحداً». وتقول المؤلفة بألم وحسرة: ولقد قسمت بلاد أخرى ولكنها بقيت بعد التقسيم محتفظة بكيانها ولها وجودها ومسمياتها على الخرائط ويسكنها أهلوها، أما فلسطين فقد انقطع وجودها من حيث هي اسم ومن حيث هي بلد، وانقطع كذلك وجود الفلسطينيين من حيث هم أمة. إنه عصر التشتت الفلسطيني.. هكذا ختمت الكاتبة والروائية الانكليزية المبدعة ايثيل مانين، المقدمة السياسية لروايتها الرائعة «الطريق إلى بئر سبع». ملاحظة: الرواية التي يناقشها د. رفعت سيد أحمد كانت من مطبوعات جريدة الثورة (مؤسسة الوحدة) أيضاً لدى صدورها للكاتبة ايثيل مانين.
|