تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فراس أحمد.. بين تراب الشعر ودم التجربة

رسم بالكلمات
الأثنين 18-6-2012م
سامر أنور الشمالي

(كالعصافير كانت الكلمات تجفل.. بينما أفكر بالقصيدة. لم أنتبه، وأنا أولّدها.. كفقاعات الأطفال، لفتنة التشكيل في أسرابها العفوية) ص11.

بكلمات منتقاة من القاموس المتداول كل يوم، وبأسلوب بسيط ينأى بنفسه عن ترف الصنعة، وبصور تقترب من المخيلة التي يعرفها أغلب البشر، تنساب بهدوء لا يخلو من ضجيج رصين كلمات وقصائد (فراس أحمد) على صفحات كتابه الذي حمل عنواناً مثقلاً بالمعاني (يوميات التراب والدم) وإن كان ما بعد العنوان- أي ما بين الصفحات- نصوصاً غير قابلة لتأويلات متعددة، فالنصوص واضحة لا لبس فيها، ومنشورة باستواء دون مساحات مغطاة ومستورة عن العين الناظرة، فالقصائد تخاطب القارئ مباشرة دون حواجز علّها توصل إليه يوميات من المشاعر المرهفة والأحاسيس الطازجة من غير زخرفة مفتعلة، أو زينة لا مبرر لها.‏

***‏

يخوض الشاعر تجربته الإبداعية الذاتية، ويحاول- كما يبدو- تقديم شيء يخصه في المشهد الشعري الشاب الذي يغص بالعديد من التجارب الشعرية المتعددة والمتناسخة التي استنفدت ذاتها حتى صارت عبئا على قراء الشعر ونقاده، بل والشعراء أنفسهم في الكثير من الأحيان: (لا تكن أحدا سواك.. قالت وهي تحفُّ حلمي.. ببريق حضورها.. ونامت كالصدى) ص29. على الرغم من اجتهاده في الاشتغال على مشروعه الأدبي والشعري لم يتعمد زرع خطواته الأولى في درب قصي عن المشهد الشعري العام، أو مجهول لم يعرفه أحد من قبل، بل اختار السير في الطريق الأكثر اتساعا ورحابة لأنه الطريق الأقرب والأكثر شهرة أيضا في عالم الشعر، ولكن هذا لا يعني أنه لم يعمل على الاحتفاظ بهويته، أو لم يحرص على عدم فقدان تلك الهوية في هذا الدرب الذي يتقاسمه الكثير من المبدعين الذين يخوضون تجاربهم الأولى، أو المبدعين الذين قضوا معظم حياتهم في خوض معارك لا تنتهي مادام ليس للإبداع سقف لا يمكن تجاوزه: (أدوخ كالنحل.. وأنا أصنع فرحي.. ندياً كعشب.. شفيفاً كالألم.. فانتبهوا قليلاً ، وأنتم تدوسونه بخطوكم.. برصاص أصواتكم، وعفن الكلمات.. كعصارته الخضراء تنزُّ روحي) ص15. نلمس في القصائد رقة الإحساس الصادق، وزخم المشاعر العفوية، حيث تتعدد صور الحنين إلى الطفولة، والى النقود القليلة التي تخرجها الأم من صدرها الحنون، والى الغرفة الصغيرة على سطح الدار وصور فيروز وغيفارا المعلقة على جدرانها. كما نعثر على تفاصيل صغيرة معاصرة تختصر حياة بكاملها في لحظات ترصدها عين شاعر شغوف بالتقاط الصور الواقعية وتثبيتها على صفحات الورق، حيث نجد المقعد الخشبي قرب باب غرفة العمليات، والرصاص المهرب عبر الحدود. كما لا تغيب الموضوعات الوطنية التي يتناولها الشاعر دون مباشرة شائعة، وبعيدا عن خطابية غير مقنعة، ولكنه قد ستر موقفه الشخصي ببعض ستائر الغموض والعمومية: (أضيئوا القصائد.. كي لا ينمو الموت في رحمي.. واحرثوني بالرؤى،‏

تلك صرختك التي ضاعت في الهباء.. أيتها المدن المسورة بالخوف والموت) ص56.‏

***‏

قدم الشاعر (فراس أحمد) في مجموعته الشعرية (يوميات التراب والدم) تجربة شعرية جديرة بالعناية والاهتمام، فصاحبها يتعامل مع موضوعاته بجدية لا تشوهها الخطابية المفرطة، ومضمون قصائده ذو طابع إنساني يلتقي فيه الخاص مع العام، وأسلوبه رشيق وكثيف لا يشكو من الترهل والإطالة، ولكن هذا لا يعني ركون الشاعر إلى ما قد أنجزه، فيجب عليه بذل المزيد من الجهد للعمل على تطوير تجربته الإبداعية في مجموعاته الشعرية القادمة، كما عليه البحث عن صور جديدة لم يرسمها سواه، والاشتغال على أسلوب يخرج عن تركيب الجملة المألوفة والمستهلكة لتقديم جمل مدهشة بامتياز، وعليه أيضا أن يكون أكثر جرأة في تخطي الخطوط الحمراء وفتح كوة أخرى على عالم شعري أكثر شجاعة وجمالا.‏

***‏

المؤلف: فراس أحمد‏

العنوان: يوميات التراب والدم‏

الناشر: دار أرواد- طرطوس 2012‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية