من خلال مغامراته العسكرية التي قام بها تحت شعار محاربة الإرهاب، حيث غزا أفغانستان ثم احتل العراق، ومع هذه المغامرات تزايدت أعداد القتلى في صفوف الجيش الأمريكي إلى جانب زيادة معدلات الانتحار والهرب من الخدمة العسكرية بعد أن شعر الجنود أنهم زجوا في حرب عبثية غامضة الأهداف، كذلك استنزفت الخزانة الأمريكية، ما أثر بوضوح على الانفاق الاجتماعي كل ذلك ولد السخط على إدارة /بوش/ وأدى إلى اختيار الرئيس «أوباما».
إن السؤال الهام هو : هل هذا الرئيس الجديد الذي تبنى شعارات الاحترام الحقيقي لحقوق الانسان واعتماد لغة الحوار بدلاً من لغة البارود قادر على إحداث التغيير الذي تبناه، أم أن هناك عقبات تعترضه؟ هل هو قادر على تغيير توجهات وأسس السياسة الخارجية الأمريكية أم لا؟
من المتعارف عليه لدى الكثير من المحللين السياسيين المرموقين أن هناك أجندة تحدد المصالح القومية الأمريكية التي تبلورت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945، وبعد بداية الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق فما أهم هذه الأجندة؟
1- كانت الشيوعية هي البند الأول في بنود هذه الأجندة، وكما هو معروف اتبعت الولايات المتحدة في سياستها استراتيجية «الاحتواء» التي صاغ معالمها الدبلوماسي الأمريكي الشهير «جورج كينان» وتعني محاصرة الاتحاد السوفييتي عسكرياً، عن طريق تشكيل الأحلاف المضادة له مثل حلف /الناتو/ وإقامة القواعد العسكرية، وسياسياً عن طريق محاربة انتشار الشيوعية وامتدادها إلى مختلف دول العالم، وثقافياً عن طريق شن حرب ايديولوجية ضد الماركسية وضد التجربة الشيوعية للاساءة إليهما، مع تمجيد الرأسمالية وتقديم الحياة الأمريكية على أنها النموذج الجذاب والأفضل.
2-أما البند الثاني فهو التأييد اللامحدود والمطلق لإسرائيل على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية.
3- ويأتي ضمان تدفق النفط العربي بأسعار رخيصة إلى الولايات المتحدة ليشكل الثابت الثالث من ثوابت أجندة المصلحة القومية الأمريكية، وبالأساس وكما هو معروف لدى الجميع فالنهضة الأمريكية الصناعية العملاقة ومبادراتها التكنولوجية المتطورة جداً، قامت على أساس النفط العربي الرخيص الذي لم تتجاوز أسعاره في الخمسينيات والستينيات بضعة دولارات للبرميل الواحد حتى إن ضمان وصول هذا النفط كان هدفاً من أهداف غزو العراق واحتلاله.
4-مناهضة الدول التي تمثل تهديداً محتملاً للأمن القومي الأمريكي وفقاً لتصورات النخبة السياسية الأمريكية، وفي هذا الاطار اخترعت إدارة الرئيس /بوش/ مصطلحات وتعابير غريبة من نوعها مثل «محور الشر» والذي يتمثل حسب زعمها بثلاث دول «العراق -إيران-كوريا الديمقراطية».
5- الحفاظ على المصالح الاقتصادية والمالية للمؤسسات والبنوك الرأسمالية الأمريكية الكبرى، باعتبار أن مثل هذا الأمر يأتي في قمة المصالح القومية الأمريكية وما يدل على ذلك أنه بعد تعرض عدد من هذه المؤسسات والشركات لأزمة مالية تهدد بانهيارها، سارعت الإدارة الأمريكية إلى التدخل لمصلحتها، فضخت /750/ مليار دولار لإنقاذها، مخالفة بذلك العقائد المقدسة للرأسمالية في عدم تدخل الدولة بمثل هذه الأمور.
باختصار نخلص إلى القول: إن هناك أجندة محددة للمصالح القومية الأمريكية لايستطيع أي رئيس أمريكي جمهورياً كان أو ديمقراطياً أن يتجاوزها أو يغير فيها إلا قليلاً، وبقدر محسوب لأن مراكز القوة الأمريكية هي التي حددت أجندة المصالح القومية، وهذه المراكز هي التي تحكم الولايات المتحدة بشكل فعلي.