ويتفق مراقبون أجانب مع هذه النقطة حيث يوجهون تحذيراً للولايات المتحدة الأميركية من مغبة عدم إحداث تغيير استراتيجي في سياستها تجاه أفغانستان، وهو ما يعني إهدار الإنجازات التي تحققت خلال الحملة العسكرية الباهظة التكاليف ، لتسقط أفغانستان من جديد في الفوضى وإراقة الدماء كما كان الحال في معظم فترات القرن الماضي.
يظهر الوضع الراهن في أفغانستان تناقضاً كبيراً في السياسة الأميركية تجاهها، إذ كيف تتعهد واشنطن ببناء جيش وطني أفغاني، فيما تجزل العطاء لأمراء الحرب الذين يشاركون في تعقب «القاعدة» ما يعزز من سطوة وتحدي الميليشيات المحلية بدلاًً من التركيز على زيادة دعم الحكومة المركزية والاقتصاد الذي لم يصل إليه سوى الفتات من مساعدات إعادة البناء التي تعهد بها المجتمع الدولي وتقدر بـ 4.5 مليارات دولار، وليس بإمكان واشنطن غض الطرف عن مسؤولياتها تجاه هشاشة الحالة الأمنية في أنحاء أفغانستان وخاصة في العاصمة كابول، وإذا كانت حكومة قرضاي غير قادرة على حماية أركانها بدليل تعرض قرضاي نفسه لمحاولات اغتيال واغتيال نائبه وأحد وزرائه فمن السهل تقبل حقيقة اخفاق حكومته في فرض سلطتها خارج كابول وهو ما يسمح باستمرار خطر الصراع القبلي والتناحر الطائفي ليوفر أرضاً خصبة لنمو التطرف الذي يمثل الهدف الرئيسي للحملة العسكرية الأميركية على أفغانستان .
ويبدو من تعامل القوات الأميركية أنها لا تريد حكومة مركزية قوية في أفغانستان بل تتبع سياسة استخدمتها حليفتها بريطانيا قبل ذلك أثناء احتلالها لأفغانستان وهي سياسة «فرق تسد» وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد حددت مجموعة من الأهداف لتدخلها في أفغانستان كان من بينها بناء دولة حديثة بمؤسساتها بعد فوضى «طالبان» حسب رأيهم ، وقد حددوا لذلك برنامجاً في «بون» إلا أن الملاحظ بعد مرور ثمانية أعوام على الحملة العسكرية على أفغانستان لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق هذا الهدف.
وفي هذا الإطار شهدت الفترة تحركات قام بها الرئيس حامد قرضاي لكسب تأييد سكان الجنوب المؤيدين لحركة «طالبان» عبر فتح باب الحوار مع قيادات «معتدلة» ،حيث أعلن الرئيس الأفغاني في اجتماع للعلماء الأفغان عن إعطاء مجالِ لممارسة الحياة السياسية لهذه القيادات ووقف أي أعمال انتقامية تجاه مؤيدي الحركة تحت ذريعة محاربة الإرهاب ومتابعة فلول «طالبان» و«القاعدة» .
ويرى المراقبون أن قرضاي بدأ يستميل قيادات الباشتون الدينية والقبلية في الولايات الجنوبية والشرقية التي تشهد باستمرار عمليات عنف متفرقة على المراكز الحكومية وتجمعات الجنود الأميركيين والقوات الدولية حيث يشتكي هؤلاء من السيطرة الكبيرة لغيرهم على مقاليد الحكم في العاصمة واستهدافهم بأعمال استفزازية من قبل الحكومة والقوات الأميركية والدولية بحجة مطاردة بقايا تنظيم «القاعدة» و«طالبان» .
وقد رجح البعض الفشل الذي تعاني منه الحكومة المركزية في أفغانستان إلى اعتمادها على المساعدات الخارجية وعدم قيامها بتنمية مواردها الخاصة، إضافة إلى استخدام هذه المساعدات في تمويل جهود الإغاثة وعدم توجيهها لإعادة تأهيل البنية الأساسية والمشروعات التي تدر دخلاً على الدولة، هذا بالإضافة إلى عدم وجود تجانس في العناصر المكونة للحكومة المركزية، حيث لا يوجد أي تساو في نصيب كل عنصر من العناصر الثلاثة وهم: عنصر المجاهدين (تحالف الشمال) وعنصر الغربيين (وهم الأفغان الذين عاشوا في الغرب وتسلحوا بثقافته واعتادوا على قيمه وأخلاقه) وعنصر الشيوعيين، وبالتالي فإن المؤسسات الحكومية في كابول تعاني من انقسام في الولاءات الحزبية والعرقية.
من هنا نجد أن الوضع السياسي والأمني أصبحا أسوأ مما كانا عليه في عهد حكومة «طالبان» بل إن الوجود الأجنبي ووجود قوات التحالف لم يعد أمراً مرغوباً فيه من قبل الشعب الأفغاني ، وهذا لا ينطبق فقط على بقايا تنظيم القاعدة أو بقايا حركة «طالبان» ولكن أغلب الشعب يرون أن الوضع الذي كانت عليه البلاد قبل الحملة العسكرية الأميركية عليها أفضل بكثير من الحالة التي وصلت إليها الآن.
وينظرون إلى القوات الأميركية وقوات التحالف باعتبارها قوات احتلال يجب مقاومتها ، هذا على الرغم من اصرار الولايات المتحدة على صبغ حملتها العسكرية على أفغانستان بطابع إنساني، وتزعم أنها ذهبت إلى هذه الدولة لتخليص شعبها من نظام ديكتاتوري ارهابي، ولتحقيق الاستقرار والأمن في هذه الدولة، ولكن الواقع يختلف عن هذه الرؤية الأميركية التي تخفي وراءها المصالح الحيوية للولايات المتحدة والتي تعلو فوق كل المبادئ سواء الإنسانية أو غير الإنسانية، وهذه الدعاوى الأميركية لا تقنع أغلبية الشعب الأفغاني الذي مات الكثير من أبنائه نتيجة للقصف الأميركي للمدن الأفغانية وقت الحرب ومواصلة القوات الأميركية لتتبع بقايا حركة طالبان والقاعدة ، بالإضافة إلى تبرير القوات الأميركية لقتل الأبرياء باعتباره جاء عن طريق الخطأ.
إن مشاعر العداء للوجود الأجنبي في أفغانستان تزداد يوماً بعد آخر، ويظهر في صور مختلفة من أهمها المظاهرات التي اندلعت في العاصمة كابول وعدد من الولايات الأفغانية قادتها فئات من طلبة وبعض الهيئات ومواطنين عاديين تطالب بخروج الوجود الأجنبي من البلاد ، وقد أرجعت هذه المظاهرات الحالة الأمنية والاقتصادية المتدهورة في البلاد إلى وجود قوات أجنبية، كما تظهر مشاعر العداء الأفغاني للوجود الأجنبي وبصورة جلية في الهجمات التي تتعرض لها القوات الأميركية وقوات التحالف- بطريقة مستمرة والتي تكبد هذه القوات خسائر مادية وبشرية كبيرة.