هل أنت شخص سعيد.. هل تنحصر الإجابة بزمن محدد.. بحالة ظرفية راهنة.. كيف يمكن الحصول على السعادة.. ؟
وما هي الأسباب.. الموجبات.. الظروف.. والحالات التي تدفعنا إلى توصيف شخصٍ ما واعتباره شخصاً سعيداً دون غيره.. ؟
على الرغم من إخفاقات تعترضها.. غالباً ما كانت الرؤية القائلة بأن السعادة هي المتعة، أو هي مذهب اللذة، واحدة من أكثر التفسيرات قبولاً وانتشاراً.. وبالتالي بمقدار ما تحصل على متعتك ولذتك بمقدار ما تُعتبر شخصاً سعيداً.
يرى نيكولاس وايت، مؤلف كتاب «السعادة، موجز تاريخي» الصادر عن عالم المعرفة، أن تحديد معنى السعادة وتقديم توجيهات لما ينبغي أن نفعله حصولاً عليها من مهمة الفلسفة والفلاسفة.
في تقصّيه هذا، يرى أنهم فشلوا.. والأسوأ أنهم وبوجهٍ عام لا يعرفون القدر الكافي من الحقائق المرتبطة بموضوع السعادة.. لكنه يستعرض مجمل آرائهم.
ينطلق من المفهوم القائل إن التفسير الجيد للسعادة يجب أن يبدأ بالوعي بكثرة الأهداف وما بينها من تضارب.
أرسطو كان قال عن معنى للسعادة البشرية بتحديدها في نشاط النفس وفقاً لفضيلتها.. وإذا كان هناك أكثر من فضيلة للنفس فإنه يكون وفقاً لأعظم فضائلها وأكثرها كمالاً.
أما أفلاطون فرأى أن السعادة تقوم على نوع من التناغم بين الرغبات والأهداف. السعادة لديه يجب أن تكون أهدافاً منسجمة.. ويصف الإنسان الخير أو (الفرد الذي يكون في حالة جيدة بأنه شخص أحدث انسجاماً بين شخصيته وربط بين مجمل عناصرها.. وجعل نفسه وحدةً واحدة.. إنساناً واحداً بدلاً من أن يكون متكثراً، ومسيطراً على نفسه في حالة من التناغم).. ذلك هو نوع الشخصية التي يعتبرها أفلاطون شخصية سعيدة.
بدوره نيتشه، قلب المعادلة.. خربط مفهوم السعادة الذي جعلوه نوعاً من الانسجام.. لأنه رأى في تضارب الأهداف حالة سعادة.. كيف ذلك.. ؟
عادى نيتشه المذهب الذي اتخذه أفلاطون في تبني مفهوم الانسجام.. والفكرة المهمة التي تُستخلص من كتاباته تتمثل في أن تصادم الرغبات من الممكن جداً أن يكون أمراً مرغوباً فيه.. (فحينما نعرف أن المرء يسعى نحو أشياء من العسير بل من المستحيل التوافق بينها، هو أمر من شأنه أن يخلق حالة من التوتر في نفس المرء، ويشكل صعوبة للمرء فيما يضطلع به. وهو ينظر إليه باعتباره أمارة على أن المرء يتجاوز ذاته ويستجيب للتحدي. وهذا من شأنه أن يُحدث حالة من الابتهاج.. ).
السعادة.. متعة ولذة..
بحسب توماس هوبز (فيلسوف إنكليزي- القرن السابع عشر) فإن الهناءة تنامٍ متواصل للرغبة من موضوع إلى غيره.
أرسطو لم يؤكد أن اللذة هي السعادة.. وبنفس الوقت لم يُنكر أن اللذة هي الخير البشري صراحةً.. (لم يُرد أن يُقر أو يُنكر الأمر صراحةً.. الخير هو اللذة.. أو السعادة هي اللذة).
وفقاً لأبيقور، الخير هو اللذة.. واللذة بدورها يتم تفسيرها باعتبارها غياباً واعياً للألم والإزعاج. وساوى جيرمي بنتام «مؤصل النظرية الأخلاقية المعروفة باسم النفعية وطور مذهباً كمياً في اللذة» السعادة باللذة.. ورأى أن السلوك الصحيح هو السلوك الذي يُحدث أكبر سعادة لأكبر عدد من الناس.
في القرن العشرين قال بعض الفلاسفة بتأييد فكرة «أن السعادة هي تفضيل الإشباع».. وسواء أكانت كذلك أم كانت على نحو جعلها «إشباع التفضيل».. ليست سوى صورة جديدة عن فكرة أحد الفلاسفة اليونانيين القدماء الذين رأوا أن «الخير الأعظم» هو «إشباع رغباتك».
نوع آخر من السعادة في صورة أخرى يرسمها أرسطو التي من أفضل أنواعها بالنسبة للموجود البشري -فيما يرى- يتمثل في التفكير الفلسفي أو (التأمل): «إن السعادة تمتد.. بقدر ما يمتد التأمل، وإن السعادة تخص الناس بقدر ما يخصهم التأمل، ليس بطريقة عارضة ولكن بفضل التأمل، حيث إن هذا التأمل ذاته يكون جديراً بالإجلال والاحترام. ومن ثم، فإن السعادة ستعد صورةً ما من التأمل».