تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


« الترجمة .. صوت حاضر غائب »

معاً على الطريق
الخميس 9-1-2014
لينا كيلاني

في كل عام تزدهر معارض الكتب في مختلف البلدان العربية، ولو أن أعدادها تقلصت في الآونة الاخيرة نظراً للظروف الاستثنائية التي طرأت على بلدان دون سواها، إلا أن الناشرين مازالوا يحتفون بهذه المعارض،

و يتنادون لها، وفي جعبتهم من الأعمال الأدبية ما يجعلهم يتنافسون، ويسعون الى حصد الجوائز التي يُعلن عنها سواء أكانت للناشرين، أم للكتّاب والمؤلفين، أو للرسامين، أو للمترجمين.‏

وعند الترجمة أتوقف لألقي ضوءاً كاشفاً، أو لعله بعض الضوء على ما يجري على هذه الساحة وقد باتت تزدحم بالأعمال المترجمة الى العربية من لغات عدة، و لعل تنامي انتشار تقنية المعلومات، ما ساعد على انتعاش حركة الترجمة بنسبة تزيد فيه عما كانت عليه في عقود مضت، و السؤال الذي يلح على الأذهان هو حول نوعية هذه المترجمات، ولماذا هي لموضوعات دون سواها ؟؟؟‏

فالملاحظ أن أغلب المترجمات هي في مجال الرواية و القص العالمي و بعض العلوم، و تلك الموضوعات التي تتحدث عن الذكاء ، أو الجسد، أو الشخصية، أو القدرات الخارقة للإنسان، أو تطوير الذات، وغيرها مما شابه من موضوعات أصبحت تظهر بكثافة على ساحة الكتاب .‏

بالتأكيد نحن بحاجة الى الترجمة عن اللغات الأخرى، بل إنها أـصبحت حاجة ملحة في زمن التداخل الثقافي والتلاقح الحضاري، إلا أن نوعية المترجم هي المفصل، ولا يكفي أن نترجم عن الغرب لنتعرف اليه و إنما الى أي وجه له نريد أن نتعرف ؟ هذا هو السؤال، فالغرب هذا الذي يعلو صوته في معارض كتبنا نتعرف اليه من خلال المترجمات بالشكل الذي يريده هو ليسوق نفسه من خلاله، وبالتالي فهو يصدّر الينا صورته التي يرغب أن تعلق بأذهاننا، و بالمقابل فنحن نخوض في ذلك إما بنظرة سطحية الى ما يمكن أن نأخذه عنه، وإما بنظرة تجعل منه المثال والنموذج، و كأن عقدة الأجنبي لا تزال راسخة لدينا، رغم أن أحداث القرن العشرين و ما بعده قد كشفت مآربه، و غاياته في تمزيقنا، و ابتلاعنا فرادى واحداً تلو الآخر.. ومن بعد غزو العراق ما من بلد عربي إلا وأصبح يهمس لنفسه (أكلت يوم أكل الثور الأبيض).‏

أما مخططات الغرب والتي لم يخفها في أدراج الأسرار، وقامت دور النشر في إصدارها في كتب مبثوثة في عدة طبعات، و موجودة فوق أرفف مكتباتهم، فهي تلك التي لا يتنبه اليها الناشر العربي ليقوم بترجمتها، و لعله لو فعل لتغيرت أمور كثيرة على أرض الواقع، و لانكشفت الرؤية أمام القارئ العربي.‏

وبالمقابل فالغرب لا يترجم من أدبنا العربي الحديث إلا ما يخدم مصالحه، وأفكاره، و الصورة النمطية التي يريد أن ينقلها الى القارئ الغربي عنا، و هو قارئ ممتاز نهم متابع . ولو أن الغرب ترجم من أعمالنا الأدبية الجيدة التي تعكس صورتنا الحقيقية لتغيرت النظرة الى الإنسان العربي عموماً، ولانقلبت المفاهيم السائدة حوله، وما عاد هو ذلك الذي تؤطره الصورة المجحفة فتختصره بصحراء وجمل مقابل غزو الفضاء، وتفجر العصر الرقمي .‏

ولو قدمت رواية جيدة فيها ما يسلط الضوء الى ممارسات الغرب اللاأخلاقية بدءأ من البذار المحسن وراثياً و انتهاء أو ليس انتهاء بمشروع الجينوم البشري هذا الذي لا يعرف عنه كثيرون ..‏

فإن الإهمال سيكون مصيرها لأن هذا ليس هو الصوت المرغوب ليرتفع، بل إن أكثر ما يحظى بالترجمة لدى الغرب هو ما أصبح ينتج على ساحتنا الأدبية من كتابات الأنثى التي تستغرق في هموم الجسد و انفعالاته، و العلاقة بالرجل، الى جانب تلك الاعمال التي تترصد سلبيات مجتمعاتنا العربية و تناقضاتها، و تفضحها في فضاء الرواية، إضافة الى الأعمال الأدبية التي تكرس للاختلاف السياسي، و العقائدي، و الفكري‏

كل ذلك مما يرغب الغرب في ترجمته عنا ليلقى رواجاً وشيوعاً تأكيداً لمسارات رسمت لنا بينما نحن نسير فيها عن دراية أو عن غير دراية .. عن قصد أو عن غير قصد.‏

وأنا التي توزعت كتبي في أرجاء الوطن العربي لطالما كنت أطلب من أي ناشر يقوم بإصدار مؤلف لي أن يقف الناشرون العرب وقفة حاسمة تجاه الترجمة، وأن يتضامنوا في موقف واحد يطالب بترجمة كتاب عن اللغة العربية يرشحه الناشر مقابل عدد من الترجمات عن اللغات الأخرى لعلنا نستطيع بخطوة كهذه أن نوصل بعضاً من صوتنا الحقيقي الى عالم لا يسمع إلا الصوت الذي يريد.‏

صوت غائب أو خافت هو صوتنا نريده أن يعلو ليكون حاضراً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية