وعلى الرغم من ذلك تراهم يتغنون بمناسبة أو بدونها بنقص وتسرب الكفاءات والخبرات الوطنية الشابة التي هاجر بعضها قسراً من صقيع بعض الذهنيات الإدارية القائمة والمرتكزة والمستندة على شخص المدير (صاحب الأنا الأعلى الذي لا قبله ولا بعده)، ولا أحد سوى المدير الجامع والقابض على كل شيء بيده، إلى دفء التأهيل والتدريب وصقل المواهب وتنميتها وتطويرها وصولاً إلى وضع قدمها على سلم الترفيع والترقية الوظيفية.
نعم، هناك عدد كبير من أصحاب الشهادات الجامعية العليا ممن يدخلون حياتهم الوظيفية ويخرجون منها من نفس المكتب أو الشعبة أو الدائرة أو القسم أو المديرية التي باشر فيها لأول مرة، دون أن يتمكن أو دون أن يجد من يأخذ بيده أو يطوره أو يؤهله أو يمنحه فرصة السير ولو خطوة واحدة على طريق الصعود الوظيفي، وهناك أشخاص يسجلون قفزات ووثبات قياسية على سلم الحياة الوظيفية بجهودهم الخالصة دون منة أو جميل من أحد باستثناء بعض الوجوه الحكومية الذين يؤمنون بأحقية أصحاب الخبرة والاختصاص والمؤهلات العلمية والعملية بالحصول على الفرص التي تمكنهم من إبراز طاقاتهم وإمكاناتهم وإبداعاتهم، وبوجوب تفعيل وتحريك وتنشيط ملف التأهيل والتدريب وجعله مكوناً أساسياً لا ثانوياً (شكلياً ـ يغلب عليه طابع البريستيج) في صدر الخطط والبرامج التنفيذية، في حين تجد على المقلب الآخر من يعتمد سياسة التجريب والتغيير لمجرد التجريب والتغيير أساس عمله القائم على المراوحة في نفس المكان في أحسن الأحوال.
وباعتبار أن هناك من يغني على ليلاه.. فقد استطاع عدد من أبناء البلد الأصلاء ممن رفعت لهم القبعات وعلى مختلف المستويات من الإطراب والإمتاع وإثلاج الصدر بإعجازاتهم التي حققوها في أكثر من امتحان والتي أصابت البعض (ممن كانوا وما زالوا يتشدقون بنغمة وموال العقوبات) في مقتل ليس بدايته في الكهرباء ولا الزراعة ولا الصناعة ولا آخره في النقل، محققين بذلك براءة اختراع ما كان لها لتتحقق لولا وجود من يرحم ويدع رحمة السماء تنزل.. وكم يتمناهم الشارع العام أن يكونوا كثر.