وشهادتهم في الشاعرين السوريين اللذين حازا المرتبة الأولى والثانية تسجل في سجل الشعر العربي المعاصر، إذ رأت لجنة التحكيم أن مصطفى عكرمة يمتلك مشروعاً شعرياً ينطلق من رؤية واضحة للشعر طبيعة ووظيفة، وهو صاحب رسالة يعبر عنها شعره الذي يخدم القيم الأصيلة والمثل العليا التي تجسد شخصية الأمة وهويتها الفكرية، المنشغل بقضايا الوطن والملتزم بهمومه ومعاناته، هذا ماقاله أحد المحكمين في المسابقة د. وليد قصاب الذي أتى مشاركاً من الرياض في الحفل التكريمي للشاعر الذي أقامه اتحاد الكتّاب بالتعاون مع مكتبة الأسد الوطنية وأصدقاء الشاعر.
الشعر ارتقاء
والذي أكد بدوره أن المبدعين مازالوا يتطاولون ارتقاءً في خلق قصائدهم الشعرية المسندة قديماً من قبل العرب إلى شياطين الشعر حين عجزوا عن تفسير بواعثه وأسبابه فصار هناك واد لايسلكه إلا الشعراء ولاسيما العظام وصار الشعر ديوان العرب يحتفلون به في مجالسهم وأسواقهم وماسوق المربد وعكاظ إلا مثال واضح لهذه الظاهرة، أما اليوم فقد تحول هذان السوقان إلى فضاء كوني مكاني أوسع وأرحب ففتحت الفضائيات على مسابقات عدة من شاعر المليون إلى شاعر العرب التي نال جائزتها واحد من الشعراء العرب السوريين وأحد أعضاء جمعية الشعر في اتحاد الكتّاب العرب، وأشار د. جمعة إلى أن الشاعر انتصر للقصيدة الغنائية التي كونتها ذائقته المرهفة وأثبت أن هذا النمط الشعري قادر على تحريك الوجدان والعقل، كما أثبت كل الشعراء العرب الذين شاركوا في المسابقة أن الشعر لايزال ديوان العرب الأول ولايستطيع أحد أن يبعده عن ساحة الإبداع، لذلك استحق شاعرنا الفوز بجدارة لأنه كان قادراً على الإثارة والادهاش ماجعله متقدماًعلى أقرانه وهو ينتقل من مرحلة إلى مرحلة، وكان يثبت أن وهج الكلام يقاسم روحه وعقله ويدعوه إلى التفرد في كل موضوع عالجته قصائده.
فإذا كان من حق المؤسسات والمنظمات الثقافية أن تحتفي بمبدعينا فمن حقنا في اتحاد الكتّاب العرب أن نحتفي بشاعر العرب في أرض دمشق العروبة.
أما د. مازن المبارك فقد ألقى كلمته نيابه عنه د. أيمن الشوا وفيها رآه شاعراً بعث الحياة للشعر العربي بأسلوبه ومعناه وروعة نظمه وموسيقاه وغرد للأطفال ومعهم محلقاً مع القيم الروحية، دافع عن لغة العرب وشعر العرب ليبقى الخلود للضاد.
في شهادته ثمن د. محمود السيد دور الشاعر في الدفاع بحماسة عن منظومة القيم التي حملها أجدادنا فغدوا بفضلها سادة العالم، ورأى فيه الأديب الحريص على تعزيز المناقب والمثل بأسلوب سلس وشائق ولغة واضحة بعيدة من التعقيد والغرابة، لذلك لاغرو أن يكون في طليعة الفائزين بجائزة الشعر العربي.
وطني وطفلي
من يقرأ قصائده المتفرقة في ديوانه (وطني وطفلي) يدرك معايشته لأحوال المجتمع ولاسيما المرأة التي عايشها أماً وزوجة وأختاً وحبيبة وزميلة عبر تطور المجتمع السوري، وهوماركزت عليه، د. فادية المليح الحلواني التي اعتمدت بعض نصوص في امتحانات طلابها في الجامعة، ففي شعره عن المرأة تعبير مرهف وصادق عن طموحه للمرأة العربية السورية المتطلعة بطموح وعنفوان إلى تربية جيل أبي ومقدام ومشاركة فاعلة في مجتمع ذي بنيان مرصوص ووئام.
بينما رأت الأديبة جمانة أن الشاعر تسيطرعليه طبيعتان: طبيعة الشاعر المرهف الإحساس والمعلم المرشد وقد قبض على هذا السر اليوناني في كتاباته، للأطفال حين قدم للنشىء الصغير شعراً تعليمياً.
المسكون بالأنغام
الناقد الموسيقي ياسر المالح عرفه منذ خمسين عاماً، حين كان شاعر الطفولة في أغاني برنامج الأطفال «افتح ياسمسم».
معاً كتبا تلك الأغاني وكانت عطاءاته في فضاء الطفولة شعراً وحكايات.
وفي دوحة الشعر البرنامج الذي كان يعده محمود الجمعات كان يختار بعضاً من أشعار عكرمة التي رأى فيها صيحة أشعلت في شرايين أم الشهيد أغنية للحياة.
بلا كفيل
« يتيم بلا كفيل» هكذا رأى د. حسن حميدالشعر وأهله وقد عده البعض متشائماً، فيما الحقيقة كما قال: فالشعر غدا بلا سند ولا أب والأسباب العليلة كثيرة طابعها الاستهلاكية والرضا بالمتاح الذي اخترق جوهر الحياة فباتت المادية تربة ودروباً ومهوى أفئدة، وبات المعنى الإنساني أرض بوار، ولفت حميدإلى أمور ثلاثة تميز بها شعر عكرمة أولها الشعرية الفطرية التي حباه الله بها، ثم قيمته إذ لاشعر ولاسلوك ولا كلام من دون معطيات القيم، وثالثها الوطنية الصادقة وهو الذي كتب قصيدة الانتصار، فشعره قصيدة جرّ منها الظروف العاطبة.
والختام كان مسكاً من قصائد مصطفى عكرمة ومن ثم تسلمه الدرع التكريمي من اتحاد الكتّاب العرب، وقد رافق الحفل معرض الخط العربي «قطوف وحروف» الذي خطت به نخبة من الخطاطين العرب والسوريين قطوفاً من أشعار المحتفى به.