(غاية الحق) لفرنسيس مراش عام 1865 في حلب و(زينب) لحسين هيكل في مصر و (حواء الجديدة) لنقولا حداد في مصر و(الرغيف) لتوفيق يوسف عواد في لبنان..
لم تكن ساحة عامرة بالكتاب-كما هي الآن- غير أن هذا الفن الأدبي كان قد أعلن عن حضوره متأثراً بالفن الروائي الغربي و إن كان فن القصص- أو الحكاية- ليس غريباً على العرب تماماً- كما يؤكد الشاعر شوقي بغدادي في تقديمه للأعمال الروائية الكاملة لشكيب الجابري- كما في نماذجه المعروفة باسم ألف ليلة وليلة و (السيرة الشعبية) و(المقامات) و(النوادر) غير أن نضوجه النسبي كفن روائي لم ظهر فعلاً إلا في الروايات الأولى التي ذكرت للتو. ومن هنا- برأي بغدادي- يمكن وضع إنتاج شكيب الجابري في هذا السياق كرائد أسهم إلى حد هام في تقديم الفن الروائي العربي وتكامله.
فعلى الصعيد الزمني يعود مثلاً إصدار روايته الأولى (نهم) إلى عام 1938 وهو عام مبكر بالنسبة للإنتاج الروائي السوري العربي على حد سواء فنجيب محفوظ مثلاً كرائد متفوق في الرواية العربية لم يدخل هذه الساحة إلا ككاتب قصص قصيرة أولاً في مجموعته( همس الجنون) عام 1938 أما إنتاجه الروائي فقد تأخر إلى العام التالي في رواية (عبث القدر) التاريخية..
على الصعيد الفكري فما من شك في أن العلاقة الصدامية بين الشرق و الغرب كانت تشغل المحور الفكري الأساسي لأعماله جميعاً و لكن بدرجات متفاوتة وتوجهات متنوعة ففي عمله الأول (نهم) لا يبدو هذا الهاجس الصدامي مباشراً بل نلحظه متخفياً وراء نزعات خاصة بالكاتب ومسألة صدام الشرق بالغرب سوف تعلن عن نفسها بشكل اكثر شعوراً في الروايات الثلاث الأخرى و أن تعبير ( طريد المدينتين و غريب البلدين) الذي استخدمه الجابري في (قدر يلهو) يشكل جوهر أعماله ويرى بغدادي أن رواية قوس قزح ليست سوى استعادة لرواية ( قدر يلهو) ولكن من خلال رؤية الطرف الثاني للدراما التي وقعت للطالب (علاء) في كلية الطب في برلين مع الفتاة الألمانية (إيلز) التي أنقذها من الفقر و التشرد وآواها في بيته ووجد لها عملاً بعد إقامة طويلة انتهت بالحب..
في روايته الأخيرة وداعاً أفاميا تبدو مشكلة صدمة الحداثة بالغرب محلولة لصالح الشرق العربي.. بغدادي يرى أن البطل الأهلي للروايات الأربع هو شكيب الجابري نفسه فالسيرة التراثية للكاتب تتقاطع كثيراً مع الأحداث التي مرت على أبطال رواياته كالمشاركة في التظاهرات الوطنية ضد المحتل الأجنبي و(سعد) بطل( وداعاً أفاميا) هو مهندس تعدين- مثل الجابري نفسه- إضافة إلى اشارته في روايته (قدر يلهو) أن علاء بطل الرواية يفكر في اعتزال العالم في بيت له شيده فوق إحدى تلال الزبداني وهي إشارة تذكر بالتحفة المعمارية التي بناها شكيب الجابري هناك وصارت معلماً عمرانياً مشهوراً هناك باسم قلعة ( الكوكو) إلى غير ذلك من إشارات تؤكد أن السيرة الذاتية للمؤلف كانت الخلفية الأساسية التي استند إليها في رواياته ما عدا رواية (نهم) حيث يبدو أن البطل ليس هو المؤلف ذاته ولكنه شخص شبيه به بمعنى من المعاني مر على وفاة الأديب شكيب الجابري ثلاثة عشر عاماً والشاعر الكبير سليمان العيسى رثاه بقصيدة جميلة يقول فيها (يا صديقي القديم. مزق شتاء الصمت ، و اطلع من الضمور علياً، أي حلم دون برأسك يوماً؟ روعة الحلم أن يكون عصياً )
الأعمال الكاملة- الأعمال الروائية- شكيب الجابري صادرة عن وزارة الثقافة 2009/ قطع متوسط في 806 صفحات