تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فيــليـني في وجــه رومـــا

كتب
الخميس 9-7-2009م
(المجانين الظرفاء، والعاجزون وحدهم فقط، يستطيعون إنقاذ أنفسهم من موجة الانحطاط وطوفان السوقية التي تغرق فيها إيطاليا).

وفق هذا المنطق أبدع المخرج الإيطالي فيديريكوفيليني أفلامه.. التي جعلت منه مخرجاً سينمائياً كبيراً، فيليني ولد في مدينة ريميني الواقعة على البحر الأدرياتيكي عام 1920 من عائلة برجوازية فلاحية، وكان منذ فترة الدراسة الإعدادية والثانوية يبدي امتعاضاً من مادة الرياضيات واهتماماً وحباً كبيراً لمادة تاريخ الفن. في السابعة عشرة من عمره, ترك مدينته وتوجه أولاً إلى فلورنسا ومن ثم إلى روما بحثاً عن العمل، وبعد أن خاض عدة تجارب في الصحافة والنقد السينمائي وجد له مكاناً كرسام ومعلق ساخر في مجلة أسبوعية كما وجد له عملاً في إعداد بعض البرامج الإذاعية، في عام 1942 خاض أول تجربة سينمائية وهي كتابة سيناريو فيلم (الصفحة الرابعة) في عام 1945 شارك في كتابة سيناريو (روما مدينة مفتوحة) بالتعاون مع المخرج روبيرتو روسيلليني الذي يعتبره أستاذه الكبير.‏

لاحقاً أدى دور الراعي في أحد أجزاء فيلم (الحب) أمام الممثلة الكبيرة أنا مانياني وفي عام 1946 أكمل عمله في كتابة سيناريو فيلم (مقتل جوفاني) بيسكوبو للمخرج (ألبرتولاتوادا) وفي عام 1951 قدم أول فيلم من إخراجه بالتعاون مع لاتوادا بعنوان (أضواء المنوعات) وتدور أحداث الفيلم عن فرقة مسرحية طليعية وعن الصعوبات التي تواجهها في مسيرتها الفنية وسعيها للنجاح.‏

وفي عام 1952 نراه يحقق فيلمه الشخصي الأول «الشيخ الأبيض» وابتداءً من هذا الفيلم راح فيليني يسلط الضوء على السلبيات والعيوب في السلوك الاجتماعي الوضيع الذي تجنح إليه بعض الشخصيات التي تحصل على الشهرة والنجومية، وقد جسد الشخصية في الفيلم نجم الكوميديا (ألبرتو سوردي)، وفي الوقت الذي لم يرحب الجمهور السينمائي بالفيلم نجد النقاد يحتفون به ويوسعون له مكاناً واسعاً في أقلامهم.‏

وقد استطاع عام 1953 أن يحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً بفيلمه (المتسكعون) وهذا الفيلم يعالج بوصف دقيق عادات وطموحات الشاب الحالم في المقاطعات والأقاليم الإيطالية إنه في الواقع يحكي جانباً من السيرة الذاتية للمخرج فيليني.‏

وكان عام 1954 مشهوداً بالنسبة له إذ استطاع أن يحقق الشهرة العالمية بفيلمه «الطريق» ويحصل على الأوسكار وقد جسد أدوار البطولة فيه الممثل الكبير انطوني كوين وزوجة فيليني جوليتا مازينا، ويحكي الفيلم بحزن عميق وبواقعية شاعرية قصة أبطال مشردين يسعون إلى لقمة العيش الصعبة في بلد يحاول النهوض من ويلات الحرب الكونية وذلك بأسلوب قصة خيالية تحمل في طياتها الكثير من الدلالات والرموز.‏

تعرض الفيلم لمشادات حامية لخروجه عن معايير الواقعية الجديدة الإيطالية ولكنه لاقى ترحيباً وحماسة كبيرة بين النقاد، منذ عام 1955 بدأ فيليني يقدم للسينما الإيطالية أفلاماًعلى قدر كبير من الأهمية مثل (الاحتيال وليالي كابيريا عام 1907) وهو من بطولة زوجته أيضاً.‏

في عام 1960 يخرج رائعته الشهيرة «الحياة الحلوة» ويحقق هذا الفيلم نجاحاً جماهيرياً في جميع أنحاء العالم حتى أصبح من كلاسيكيات السينما العالمية، كما شكل نقطة انعطاف في مسيرة فيليني الفنية، إنه يجسد ظاهرة الانفجار الاقتصادي الزائف في إيطاليا لما بعد الحرب، من خلال حياة صحفي يلعب دوره الممثل العملاق مارتشيللو ساستروياني.‏

والفيلم يرصد التحول السريع في عادات وتقاليد البرجوازية الصغيرة الإيطالية بأسلوب روائي مفعم بالسخرية اللاذعة وتدور الأحداث في العاصمة روما التي ينقلنا البطل من خلالها في رحلة مزعجة بدون أي أمل أو هدف أو أفق، كانت أواخر الستينيات وبداية السبعينيات مرحلة خصبة وخلاقة في حياة المخرج.‏

في عام 1968 اشترك في إخراج وقائع فيلم «ثلاث خطوات نحو الهذيان» وهي قصة للكاتب الأمريكي ادغار آلن بو.‏

وفي عام 1969 قدم الفيلم الفضيحة «ساتيركون» الذي يرصد فيه مظاهر الحضارة في الحياة الأوروبية الحديثة وما توصلت إليه من استهلاك ومجون واستهتار بالقيم الأخلاقية مقارنة مع الأيام الأخيرة للامبراطورية الرومانية.‏

يصرح فيليني في مقابلة بقلم داريو زانبللي 1969 بعد فيلم الساتيركون: أستطيع القول: إن روما عصر الانحطاط تشبه كثيراً عالمنا الحالي السعار الغامض للتمتع بالحياة العنف ذاته وغياب القيم ذاته واليأس ذاته والغرور الفارغ ذاته ويمكن القول:إن أبطال ساتيركون يشبهون كثيراً الهبيين ويخضعون مثلهم لأجسادهم خصوصاً ويبحثون عن أفق جديد في المخدرات ويرفضون مواجهة المشكلات بهذا النضوج وبتلك الروح الجديدة المبدعة يصنع فيليني مشاهد ولوحات فيلمه الساحر «روما» عام 1972. عام 1970 يعود بحنين إلى السيرك ويخرج فيلماً لصالح التلفزيون وهو المهرجون.‏

يصرح فيليني عام 1974 في مقابلة مع أحد أهم النقاد الإيطاليين عن فيلمه «ماركورد» الذي أنجزه مستلهماً سني مراهقته في مدينة ريميني (فيلم اماركورد) كان ينشد أن يكون الوداع النهائي لريميني ومع هذه الساحة الصغيرة الفقيرة ومع أصدقاء المدرسة والمدرسين كان عليه أن يكون وداعاً لفصل معين من الحياة هو هذه المراهقة التي لا براء منها، التي تهدد بامتلاكنا إلى الأبد والتي لم أفهم بعد فهماً صحيحاً ما الذي ينبغي فعله معها وهل ينبغي حملها معي حتى النهاية أو أصنعها في ملف بطريقة ما؟‏

في فيلمه كازانوفا يقدم قراءة سلبية للرجل الاسطورة ولهذا العاشق الأبدي كازانوفا. لقد أجبر المنتج عام 1970 أن يبني له في استديو المدينة السينمائية في روما جزءاً من مدينة البندقية والقنال الكبيرة مع جسر ريالتو الشهير حتى بلغت تكاليف الانتاج أكثر من 10 مليارات لير إيطالي.‏

يرد فيليني في إحدى مقابلاته بعد أن أثار الفيلم غضب أحد المتحمسين لأسطورة كازانوفا عندما قال: أراد فيل يني تدمير كازانوفا لكنه لم ينجح إلا في تدمير ذاته.‏

يدافع فيليني عن فيلمه قائلاً: من الواضح أنني لا أشاطره الرأي لكن يجب أن أقبل أنه من بين جميع أفلامي كان الفيلم الذي ترك عند الجمهور الصدمة الأشد صعوبة ولكنه فيلمي الأكثر جمالاً والأكثر وضوحاً والأكثر صرامة والأكثر كمالاً من حيث الأسلوب.‏

أما إنجازه الأخير فكان «صوت القمر» 1990 ويعتبر هذا الفيلم الوصية الروحية الأخيرة التي يسلمها هذا المبدع لأقرانه.‏

الكتاب: المتسكعون-فيديريكو فيليني - ترجمة: إيليا قجميني صادر عن وزارة الثقافة 2009 في قطع متوسط 174 صفحة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية