ويلعبون على ورقة الزمن الضائع حتى يتخلصوا من كل جدية تفترضها حالات يمر بها النظام الدولي، وتبرز فيها ملامح اصرار كبير على الوصول إلى حل، ولا سيما لدى القادة في الإدارة الأمريكية، وحين نستعرض هذا الحال نضع أصابعنا على الكثير من التوجهات التي أفشلها اللوبي الصهيوني في أمريكا مع إسرائيل دولة العدوان أو أفشلتها إسرائيل بضمانات اللوبي الصهيوني في الكونغرس والبنتاغون منذ زمن الرئيس الأمريكي إيزنهاور حتى أوباما اليوم.
وها نحن نعيش مواصلة عنصرية نازية ليس لها حدود من قبل نتنياهو وليبرمان وزير خارجيته حين يرفض الاثنان معاً أي حل وفق إرادة المجتمع الدولي وقناعة الإدارة الأمريكية به ويسبحون عكس التيار أو يغردون خارج السرب.
فها هو المجتمع الدولي لم يعد قادراً على تجاوز محنة الفلسطينيين إن كانوا داخل الأرض المحتلة أو كانوا خارجها ويكفي أن نذكّر العالم بأن خمسة آلاف دعوى مقدمة بحق إسرائيل للمحاكم الدولية ذات الصلة بمحاكمة مجرمي الحرب أو القضايا المعتبرة ضد الإنسانية.
ومع أن الرئيس أوباما قد أظهر التوجه الأمريكي الجديد وأتى إلى المنطقة كي يعلن عن بداية عهد جديد للدبلوماسية الأمريكية، عهد لم تعد معه أمريكا قادرة على الجري دون تفكير وراء عنصرية العنصريين وغطرسة المتغطرسين، إذ لا بد من الاعتراف بمعاناة شعب أقيمت له محرقة «هولوكوست» منذ أكثر من ستين عاماً ولما تزل.
ومن غريب الحال أن إسرائيل كأنها لم تدرك بعد أنها انكشفت تماماً صورتها العنصرية بالذهن الدولي ولم يعد يمكنها تضليل العالم كما كانت عليه وأن بداخلها الآن صراعات لم تعد محدودة التأثير على أشكال سياساتها الخارجية بل أصبح لها صوت مسموع ومأخوذ بعين الاعتبار.
وها هو ليبرمان يرفض إعلان حركة السلام الآن داخل إسرائيل التي كان رأيها بأن إسرائيل تخدع العالم وهي ماضية في بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة وقد خصصت لهذا الغرض ملياراً ومئة مليون شيكل، وهذا هو أيضاً دوف حنين عضو الكنيست الإسرائيلي يقر بالخطر الذي تشكله حكومة اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو وليبرمان وباراك وزير الحرب على إسرائيل أولاً وعلى أي حل لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ووقف المستوطنات.
وأضاف دوف: إن الحكومة الإسرائيلية تشن حملة غير مسبوقة وهجمة عنصرية على الشعب الفلسطيني وحقوقه الأساسية وتعمل على تهجير الفلسطينيين الأمر الذي لن يساعد -من وجهة نظره- في الوصول إلى سلام ينعم به الجميع.
وهناك أصوات صهيونية داخل إسرائيل لم تعد مقتنعة بهذا النهج العنصري الاستيطاني الذي يعاكس توجهات المجتمع الدولي ويفقد إسرائيل ما كانت قد احتلته -تضليلاً- من مكانة دولية خاصة حين يظهر قادتها بأنهم على صدام في كل مجال للحل أو منهج.
فالكيان المتصادم من الداخل لا بد له من خذلان في علاقاته الخارجية بموازاة ذلك المتصادم والدليل عليه هو أن زيارات نتنياهو وليبرمان وباراك إلى كل الدول المعتبرة حليفة لإسرائيل لم تعد تحقق الغايات المرجوة إسرائيلياً وصار نهج الضغط الدولي المتزايد على حكومة الصهاينة يزعزع استقرار هذه الحكومة ويعطي الانطباع ذاته الذي تحدثت عنه حركة السلام الآن داخل إسرائيل أو الذي تحدث عنه دوف حنين عضو الكنيست الصهيوني.
والحال عليه نتوصل إلى أن الحراك الدبلوماسي الدولي -ولو يعكره أحياناً تقرير مثل تقرير منظمة العفو الدولية الذي وصفه السيد اسماعيل هنية بالظالم لأنه يساوي بين الجلاد والضحية- تبقى العناوين الكبرى في هذا الحراك واضحة في إدانة إسرائيل ونهجها الاستيطاني العنصري، وقد عبر عن هذا مالكوم سمارت مدير برنامج الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية ذاتها حين قال: «إن إسرائيل تنكر استخدام الفوسفور الأبيض ضد المدنيين رغم الأدلة الموجودة» ورغم المحاولات التي يقوم بها اللوبي الصهيوني ذو التأثير في أي بلد في العالم لم تعد صورة إسرائيل كما كانت بل أصبحت كيان العدوان الغاشم والمحاكمة الدولية لها لا محالة واقعة.
وبهذا الصدد لم تعد زيارات القادة والمسؤولين الأمريكان إلى المنطقة أو العالم تصب في الخانة الإسرائيلية وحسب بل أصبحت أمريكا مغرقة بشؤونها الجيواستراتيجية على معظم أراضي العالم التي لها وجود فيها وها هو بايدن نائب الرئيس أوباما في العراق لم يجد الحلول التي توخاها ورأى من في العراق يرفض له رغباته.
وكذلك الرئيس أوباما في موسكو لم يكن قادراً على إدارة العجلة كما يريد بل هنالك إرادات دولية صارت بحكم الحقائق الواقعية في الحياة الدبلوماسية العالمية وقضايا العالم اليوم من الأزمة الحالية، إلى انفلونزا الخنازير أصبحت قضايا تهم الدول الوطنية أكثر بكثير من دعم أمريكا أو دعم إسرائيل أو الجري الساذج وراء أحلام ليبرمان العنصرية.
وعلى صعيد العرب والعروبة لم تعد أمريكا أيضاً بأيديها تماماً مفاتيح الحال العربي واتضح للعرب الذين وثقوا بها بأنها تخذل كل من يصدقها في نهاية كل مطاف وخطاب الحروب الاستباقية أو الفوضى الخلاقة لم تعد بذي جدوى.
وكذلك إسرائيل -رغم ما تملكه من ترسانة عسكرية تدميرية- لكنها لم تعد تمثل الطرف صاحب القرار الأخير، فالقرار الأخير ينتقل للعرب الصامدين المقاومين الذين أفشلوا إسرائيل في حربين همجيتين وانتزعوا المبادرة في كل مجال طالما أن سورية هي الطرف الذي قاد هذا النهج وما زال يحقق فيه النصر تلو الآخر.