«شهد الأسبوع الأخير أعلى معدل للحوادث الأمنية في مرحلة مابعد تحرير أفغانستان من طالبان عام 2001».
وبناء على المعطيات التي يقدمها الجنرالات الميدانيون الموجودون في ساحة القتال ومن بينهم الجنرال ستانلي ماكريستال - القائد الأمريكي الأعلى الجديد في أفغانستان، ووفقاً للتقارير القادمة من واشنطن، تبذل حالياً جهود كبيرة في البيت الأبيض والبنتاغون من أجل مراجعة وتوضيح الاستراتيجية الحربية الأمريكية الشاملة.
والتصور القائم حالياً هو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما مصمم على سحب جميع القوات الأمريكية من العراق خلال فترته الأولى في الحكم بصرف النظر عن طبيعة الوضع الأمني السائد في العراق، وبعد ذلك فهو مصمم أيضاً على سحب جميع قواته من أفغانستان أيضاً، إذا انتخب ثانية عام 2012 لولاية ثانية.
والأنباء الواردة من جميع الجبهات القتالية تتساوى في سلبياتها، فقد تجدد العنف في العراق، حيث وضع الاستقرار النسبي الذي تحقق هناك موضع ريبة وشك، وأصبحت هجمات - طالبان في أفغانستان أكثر قوة وانتشاراً عما كانت عليه في السابق، وغدت الهجمات الانتحارية في باكستان أكثر دموية كرد فعل على الهجوم الذي قام به الجيش الباكستاني على مناطق طالبان.
ففي هجوم ضخم بسيارة مفخخة، تعرض في التاسع من حزيران الحالي فندق برل كونتيكنتال في بيشاور للتدمير إضافة إلى خسائر بشرية كبيرة، وفي الثاني عشر من الشهر الجاري، اغتيل رجل الدين المسلم الأبرز سافراز نعيمي لشجبه واستنكاره الهجمات الانتحارية، وفي اليوم نفسه، اغتيل في بغداد رئيس جبهة التوافق العراقية حارث العبيدي التي تعد كتلته أكبر كتلة في البرلمان العراقي، وقد أطلق النار عليه وهو داخل المسجد.
وكان لحوادث القتل المستهدفة تداعيات تفوق بكثير مجرد اغتيال ضحاياها، وعلى مايبدو فإن هناك مبدآين يحكمان استراتيجية أمريكا العسكرية المعدلة حالياً.
المبدأ الأول هو أن حرب أميركا في أفغانستان ليست مع البشتون وهي القبيلة القوية التي تعيش على الحدود الباكستانية الأفغانية وتقدم هذه القبيلة إلى طالبان ما تحتاجه من مقاتلين.
بل إن حرب أمريكا مع تنظيم القاعدة، حيث استفاد رجال هذا التنظيم في الماضي ومازالوا يستفيدون حتى الآن من كرم وضيافة البشتون لهم، وتهدف السياسة الأمريكية في الوقت الراهن إلى فصل تنظيم (القاعدة) عن قبيلة (البشتون) من خلال تدمير التنظيم والتفاوض مع القبيلة فيما بعد.
أما المبدأ الثاني فهو أن الحرب في أفغانستان لايمكن كسبها طالما بقي المقاومون قادرين على الاحتماء بالملاجىء وتدريب المجندين وتجنيدهم عبر الحدود وبالتحديد في المناطق القبلية التابعة للولاية الشمالية.
وإذا أرادت أمريكا كسب الحرب في أفغانستان، فيتطلب الأمر تطهير الملاذات الأمنية من المقاومين وإعادة المناطق التي توجد بها تلك الملاذات إلى سيطرة الحكومة الباكستانية، بدلاً من تركها تحت قيادة شيوخ القبائل.
ومن هنا نستطيع تفسير الهجوم الكبير الذي يقوم به الجيش الباكستاني منذ بداية شهر أيار الماضي بمساعدة وتشجيع أمريكا على مقاتلي طالبان في وادي سوات وغيره من المناطق الملتهبة الواقعة في المناطق القبلية التي تدار فيدرالياً.
وحتى تدعم أمريكا هذا الهجوم الباكستاني الكبير زودته بعدد من طائرات النقل العمودية الثقيلة، ووعد أوباما بـ 7.5 مليارات دولار للباكستان على مدار السنوات الخمس القادمة، أي بمعدل 1.5مليار دولار سنوياً لدعم الباكستان وتشجيعها على مواصلة الحرب بلا رحمة ضد معاقل ما يسمى الإرهاب.
حتى هذا المبلغ لايمثل سوى بداية ضئيلة في الإنفاق الأمريكي، فهجوم الجيش الباكستاني الأخير على معاقل طالبان في وادي سوات أدى إلى فرار مالايقل عن مليونين من السكان من مدنهم وقراهم التي دارت فيها المعارك بين الجانبين في أكبر حركة نزوح جماعي في باكستان منذ قيامها عام 1947 ، فهذا العدد الكبير من النازحين يحتاج إلى معسكرات مزودة بخيام تحتاج إلى الوقود والماء وغير ذلك من المتطلبات الضرورية كالعلاج الطبي، وهي مهمة ضخمة للغاية ذات أكلاف باهظة.
والأهم من ذلك أن الهجوم الذي شنه الجيش الباكستاني لم ينل رضا السكان، وهنا يجب الإشارة إلى أن الهجمات الانتحارية التي ردت بها طالبان على ذلك الهجوم، أدت إلى مقتل الكثير من المدنيين الأبرياء، ما زاد من سخط السكان.
وبلاشك، فإن الأغلبية الساحقة من هؤلاء السكان يريدون العيش تحت حكم الشريعة الإسلامية، لكن ذلك لايعني أنهم يؤيدون القواعد الاجتماعية الصارمة التي تطبقها طالبان والتي تقضي بمنع النساء من الذهاب للتبضع ما لم يكن معهن أحد الذكور من عائلاتهن، ورفض تعليم الفتيات فوق سن العاشرة، ومنع بيع أشرطة التسجيل الموسيقية والمرئية، إضافة إلى عمليات قطع الرؤوس البشعة بحق الموظفين الحكوميين.
وكما يليق بقائد قوات خاصة سابق، فإن الجنرال ماكريستال يحاول كسب العقول والقلوب، ولاسيما بعد أن أدت هجمات طائرات التجسس دون طيار إلى قتل أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء، إذ يقول الجنرال إنه سيقلص شن مثل تلك الهجمات إلى أقصى درجة.
وكما تنبأ الجنرال ديفيد بيترايوس، فإن هناك أوقاتاً عصيبة تنتظر القوات المسلحة الأمريكية في أفغانستان وباكستان وبانتظار أوباما أيضاً في البيت الأبيض.