وهذا يرتب على الولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة في هذه المفاوضات، كما فعلت في اتفاقية السلام الشاملة في 2005 والتي أنهت 22 عاماً من الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه. غير أن الخلافات داخل إدارة أوباما لا تزال تعرقل الجهود الأميركية لمساعدة السودان على تجنب الانزلاق نحو حرب أهلية.
والواقع أن الدور الأميركي هنا أساسي وضروري لعدة أسباب:
- بعض صناع السياسة ما زالوا يصفون ما يحدث في دارفور بأنه «إبادة جماعية» متواصلة، لكن واقع الحال أن الحرب تحولت إلى فوضى. وفي هذا الإطار يقول رادولف أدادا الممثل الخاص المشترك للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، لمجلس الأمن الدولي «إن ما يحدث في دارفور نزاع يتحارب فيه الكل مع الكل».
ورغم التقاير الصادرة عن مكتب الأمن التابع للأمم المتحدة التي تؤكد أن الإبادة الجماعية ليست هي الوصف المناسب لما يجري في دارفور إلا أن أوباما يصر على استخدام هذا المصطلح الثقيل. ومن جانبها تشجع منظمات المجتمع المدني عناصرها والجهات الداعمة لها على ربط التمرد المنخفض المستوى الموجود اليوم بالانتهاكات التي ارتكبت في السودان بين عامي 2003 و 2004.
وفي هذا الإطار يقول جون بريندر جاست الذي ساهم في تأسيس «حملة كفاية» لإنهاء الجرائم ضد الإنسانية: «إن معظم الأرقام حول القتلى هي مجرد تقديرات لا تستند إلى دليل. إنها تقديرات مبالغ فيها على نحو مجنون». ومثل هذه التقديرات تُعرّض في الواقع الدبلوماسية الأميركية لخطر كبير.
ومن هنا يترتب على إدارة أوباما أن تفكر جدياً في تخفيف العقوبات المفروضة على السودان مقابل تنازلات ملموسة من الخرطوم بشأن القضايا الجوهرية. واستعمال الولايات المتحدة لمصطلح «الإبادة الجماعية» يقلص خياراتها الدبلوماسية، كما تتعرض المنظمات التي تواصل الحديث عن «إبادة جماعية» للانتقادات من جانب شخصيات إفريقية محترمة، وهو ما دفع عدداً منها للعدول عن دعواتها القديمة خلال إدارة بوش للتدخل العسكري في دارفور.
السودان بحاجة إلى مجموعة من الاتفاقات والصفقات السياسية لإعادة توحيد البلاد قبل أن تنهار الدولة. وإذ كان الكثيرون اليوم يزعمون أنهم يدعمون تسوية سياسية متفق عليها فإنهم في الوقت نفسه يقوضون جهود إقامة حوار ناجح. وإضافة إلى ذلك فإن الإفراط في استعمال مصطلح مثل الإبادة الجماعية من شأنه أن يخدر الجمهور ووسائل الإعلام الأميركية.
الإدارة الحالية تركز على رأي قديم حول ما يجري في دارفور أكثر من تركيزها على أخطار فظاعات مقبلة محتملة قد تنجم عن حرب جديدة بين الشمال والجنوب. فهناك حدثان ينص عليهما اتفاق سلام 2005 وهما إجراء انتخابات عامة في شباط 2010 وإجراء استفتاء خلال العام الذي يليه حول انفصال جنوب السودان، سوف يحددان ما إذا كان السودان سيعالج مشكلاته بطريقة إيجابية أم سينزلق إلى فوضى مثل تلك التي يتخبط فيها الصومال أو فظاعات على نحو ما جرى في رواندا، على أن خطر الحرب يزداد كثيراً من دون حل المشكلات التالية: وضع منطقة أبيي الغنية بالنفط، والاستعداد للاستفتاء حول انفصال الجنوب وبعد الاستفتاء وتوزيع عائدات النفط بين الشمال والجنوب.
إن استعمال مصطلح «إبادة جماعية» يدعم اتهام المحكمة الجنائية الدولية للرئيس السوداني. وتلح بعض المنظمات على ضرورة ألا يتحدث معه أي دبلوماسي أميركي، ولكن كيف يمكنك أن تتوسط في اتفاق سلام إذا كنت لا تستطيع التحدث مع زعيم أحد الأطراف؟ ثم إنه في هذه اللحظة الفارقة فإن الشعب السوداني الذي عانى طويلاً بحاجة إلى زعامة أميركية موحدة تنخرط في دبلوماسية مرنة. ولكن بدلا من ذلك، فإن كل ما لديها حتى الآن هو خطاب حملة انتخابية وشلل دبلوماسي. وعليه فإننا نسير نحو كارثة حقيقية إذا لم نغير من سياستنا.