وكانت علاقة هذا بالشاعر متينة منذ أن كان ولياً للعهد، حتى إنه كان يتوسط له لدى والده المعتصم إذا غضب عليه.
وذات يوم طلب الخليفة من الحسين أن يقول أبياتاً ملاحاً «في بساط زهره قد تفتحت أنواره وأشرق في نور الصبح» فارتج عليه، فإذا الواثق يقول له: مالك..ويحك! ألست ترى نور صباح، ونور أقاح..فانفتح القول على الحسين:
ألست ترى الصبح قد
أسفرا ومبتكر الغيث قد أمطرا
وأسفرت الأرض عن حلة
تضاحك بالأحمر الأصفرا
ووافاك نيسان في ورده
وحثك في الشرب كي تسكرا
عرس الطبيعة وضحك الواثق
وحين فرغ الحسين من إنشاده تلك الأبيات التي أقام فيها عرساً للطبيعة وجعل ألوانها بين عاشق ومعشوق، ضحك الواثق وقال: سنستعمل كل ماقلت يا حسين إلا الفسق الذي ذكرته..فلا..ولا كرامة.
وكانت للواثق جارية أثيرة عنده فماتت، فجزع عليها وترك الشراب أياماً ثم سلاها وعاد إلى حاله، ثم دعا الحسين ليلة فقال له: يا حسين رأيت فلانة في النوم فليت نومي كان طال قليلاً لأتمتع بلقائها، فقل في هذا شيئاً..فقال الحسين:
ليت عين الدهر عنا غفلت
ورقيب الليل عنا رقدا
وأقام النوم في مدته
كالذي كان وكنا أبدا
يأبي زور تلفت له
فتنفست إليه الصعدا
بينما أضحك مسروراً به
إذ تقطعت عليه كمدا
فقال الواثق: أحسنت ولكنك وصفت رقيب الليل فشكوته ولا ذنب لليل وإنما رأيت الرؤيا نهاراً(1).
إنعامات الواثق على الشاعر
وكانت انعامات الواثق على الحسين متواترة وأياديه مفضلة وإعجابه به عن فهم وتقدير (2).
وعندما تولى المتوكل أخو الواثق الخلافة كان الشاعر الحسين بن الضحاك قد تجاوز الثمانين، إلا أن المتوكل كان حريصاً على أن يكون الحسين بين ندمائه، وكان -كما مر- يعده أشعر أهل زمانه ولكن الحسين كان يشعر بشيخوخته.
إن الثمانين إذا وفيت عدتها
لم تبق باقية مني ولم تذر
إذا ما شباب المرء ولى
وكان يتحسر على شبابه بعد أن تقارب خطوة، ولم يبق فيه شيء مما يشفع له عند الحسان(3):
تذكر من عاداته ما تذكرا
وأعول أيام الشباب فأكثرا
وما برحت عاداته مستقرة
ولكن أجل الشيب عنها ووقرا
يهم ويستحيي تقارب خطوه فيترك
هم النفس في الصدر مضمرا
ولم يبق فيه إذ تأمل شخصه
شفيع إلى الحسناء إلا تنكرا
ألا لا أرى في العيش للمرء
متعة إذا ما شباب المرء ولى وأدبرا
ورغم ذلك فإن المتوكل كان يصر على مناداته وهو لا يقدر على ذلك فيتخلف مكرهاً.
من المتوكل إلى المنتصر
وقتل المتوكل على يد من أوعز إليهم ابنه محمد المنتصر فتحامل الحسين على نفسه إلى دار الخلافة مهنئاً:
تجددت الدنيا بملك محمد..
فأهلاً وسهلاً بالزمان المجدد
فسر المنتصر بقصيدة الحسين ووصله بثلاثة آلاف دينار ليقضي بها ديناً بلغه أنه عليه وقال له: إن في بقائك بهاءً للملك، وقد ضعفت عن الحركة فكاتبني بحاجاتك ولا تحمل نفسك على كثرة الحركة.
ولم يهنأ المنتصر بالخلافة أكثر من ستة أشهر..وكان الحسين في أواخر العقد التاسع من عمره.
الهوامش
1-نديم الخلفاء-تأليف: عبد الستار فراج-سلسلة (اقرأ) القاهرة 1952-ص90
2-المرجع السابق ص91
3-المرجع نفسه ص93