تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


معاملة الأبناء والمساواة بينهم

مجتمع
الأثنين 11-6-2012
فراس الطالب

مما لا شك فيه أن عدم التفرقة يساعد على تنمية قدرات الأطفال في مواجهة مشكلات الحياة بصورة أفضل وبواقعية مدروسة، وأن على الأسرة أن تقبل الطفل لذاته وليس لموهبة أو ميزة يتمتع بها مثل الجمال، الذكاء، النباهة وخفة الدم وغيره،

فتنمو قدراته الخاصة وتتولد لديه الثقة في نفسه وفي الآخرين وتساعده على الاستقلالية في التفكير والسلوك القويم، وحب الاستطلاع والرغبة في الإنجاز واكتساب الخبرات والبحث عنها ، هذا ما أثبتته الدراسات الحديثة بأن أفضل الأساليب والاتجاهات التربوية التي تحقق الصحة النفسية للأطفال، هي المساواة في معاملة الأبناء بصرف النظر عن الجنس – الأولاد والبنات- السن- الأكبر والأصغر. وقد أكدت هذه الدراسة أن التفرقة في المعاملة بين أطفال الأسرة الواحدة سواء من جانب الأب أم الأم أم كليهما يترتب عليه تكوين شخصية حقودة مملوءة بالغيرة، إلى جانب ما يترتب على سلوك الابن الأثير أو المفضل الذي يحظى بالاهتمام والامتياز من أنانية ورغبة في الحصول على ما في يد الغير وكثرة الطلبات وعدم الاكتراث بالآخرين.‏

فالطفل يشعر بالأحاسيس والمشاعر المختلفة التي يراها في وجوه من حوله، وبإمكانه أن يميز الاهتمام الذي يتلقاه من أسرته، ومدى الحب الذي يكنه له الشخص الآخر أي الذي يلاطفه ويحبه والذي ينهره أو يتجاهله. ومن أسوأ الأخطاء التي تقع فيها الأسرة أو أحد الأبوين في مجتمعنا عندما يميز بين أفراد الأسرة الواحدة ولا ينظر إليهم بمنظار متساوٍ، وخاصة عندما يكون الأطفال في سن متقارب.‏

والتميز هنا يكون بإعطاء وإبداء الاهتمام لطفل دون آخر، وإعطاءه مزايا دون الأطفال الآخرين لدرجة تجعلهم يتحملون أخطاء قد يفعلها الطفل المميز.‏

وقد نتساءل عن الأسباب التي تجعل الأسرة تميز وتفضل الطفل دون أخوته وهل المشاكل الزوجية بين الأبوين لها علاقة وثيقة بعملية التمييز والتفرقة؟ وكيف يمكن أن نعرف البوادر التي تظهر على الطفل من جراء هذا التفضيل أو التمييز؟ وهل تتأثر العلاقة بين الأخوة أنفسهم على المدى الطويل؟ وهل يمكن للطفل الذي يعاني من التفرقة بينه وبين أحد أخوته أن يفعل نفس الشيء مع أطفاله في المستقبل؟ هذه الأسئلة وغيرها قد لا تتبادر لأذهان الأهل في كثير من الأحيان وقد تكون غائبة عن أذهان الكثيرين.‏

ومن أبرز الأشياء التي نراها في مجتمعنا تفضيل الأولاد على البنات، فنجد أن الولد هو محط اهتمام الأسرة، حتى ولو كانت الفتيات أكبر وأذكى منه، باعتباره أنه الولد الذي يحمل اسم العائلة ومسؤوليتها بعد الوالد، باعتباره المكمل لاستمرارية العائلة، وقد تكون سمعة مميزة لدى أحد الأبناء فتجعله مميزاً بين أخوته، بأن يتمتع بذكاء أو تفوق في دراسته، فتأخذ العائلة بتمييزه عن أخوته بل وتجعله موضع مقارنة بينه وبين أخوته، وكذلك نجد هذا التمييز عند المدرس والمدرسة بتفضيل التلميذ المتفوق عن زملائه ومعاملته معاملة خاصة أو مميزة، و قد يكون الطفل مميزاً مما يمتلكه من شكل خارجي بأن يكون جميلاً دون أخوته، ويصبح مميزاً وسط أسرته وخاصة الجمال بين الفتيات بأن تتمتع إحدى البنات بالجمال دون أخواتها فتفتخر بها الأم بأنها شبيهة لها، أو يشبهها الوالد بأخته وأنها ورثت هذا الجمال عنها وهكذا... وهناك أيضاً سبب آخر نقيض ذلك وهو الطفل الذي يعاني من عيب خلقي أو مشكلة صحية تلازمه ويحتاج إلى العطف والحنان والرعاية. مثل الإعاقة بأن يكون الطفل كفيفاً ويحتاج إلى المساعدة وقد تبالغ الأسرة في تدليله، وفي كثير من الأحيان نجد الطفل أو الطفلة الأكبر مميزاً ومدللاً بين أخوته بحكم أنه أول فرحة للأسرة، و قد تسوء أخلاق الأبن الأكبر إذ تفشل الأسرة في تربيته ثم تنجح في تربية الطفل الثاني، ويرى فيه الأبوان بأنهما عوضا في الطفل الثاني ما فشلا فيه في الطفل الأول ويصبح الطفل الثاني مميزاً عن أخيه الأكبر، كذلك نجد الطفل المدلل أو الأميز لدى والديه بحكم أنه أصغر أخوته وتفرض له معاملة خاصة من أخوته الكبار، إضافة إلى ذلك قد يرى أحد الوالدين بأنه سيحقق حلمه الذي كان يراوده في شبابه ولم يستطع تحقيقه فيحمله مسؤولية تحقيق هذا الحلم ليشعر بقية الأطفال بأنهم مهملون وأن والديهم يقومان بتفضيل أحد أخوتهم عليهم.‏

المشكلات الزوجية‏

سبب للتمييز والتفرقة‏

أرجع علماء الاجتماع عدوانية الأطفال أو الكراهية الناتجة بين الأخوة إلى الخلافات الزوجية وقالوا: إن الخلافات الزوجية لها تأثيرها في التمييز بين الأطفال وأنها من أبرز الأشياء التي تجعل الأب أو الأم يميل تجاه أحد أطفاله وأرجعوا ذلك إلى أنه: لا يحدث طبيعياً أو بشكل واضح بل يحدث في اللاوعي داخلهم، ما يجعلهم يفضلون أحد الأبناء الذين يشبههم كثيراً أو يذكرهم بحالهم ويجعلونه حليفاً لهم وينفرون من الطفل الذي يشبه الطرف الآخر ويؤكدون أن هذا الميل قد يُحدث كراهية بين الأطفال أنفسهم نتيجة تصرفات الأبوين اللا مسؤولة تجاه أطفالهم وعائلتهم بشكل عام، ولهذا أكدوا بأن هذا التصرف له ردود فعل مختلفة تختلف عوارضها من طفل لآخر، وتولد في الطفل العدوانية تجاه الآخرين سواء كانوا أهله أو أصدقاءه أو أي شخص كان، وأرجعوا سبب هذه العدوانية بأن الطفل يعمد إليها من أجل لفت نظر الآخرين إلى احتياجاته وإعطائه بعض الاهتمام الذي يوليه أهله إلى أخيه المفضل، وإن الطفل قد تظهر عدوانيته من خلال رسوماته وألوانه بأن يرسم أشياء تعبر عما يجول في نفسه، كما أن علاقاته الاجتماعية ضيقة إذ لا يقيم علاقات مع الأطفال الآخرين باعتبار أنهم سيأخذون منه كل شيء كما فعل معه أخوه المميز أو المفضل وسط أسرته.‏

ويعتقد الكثيرون أن الطفل المميز قد يكون ناجحاً في المستقبل من أخيه المهمل، قد يكون ذلك صحيحاً إلا أن التمييز كثيراً ما يحدث شيئاً عكسياً لأن الثقة الزائدة بالنفس قد لا تكون في محلها إذ لا يستطيع أن يحقق ذلك النجاح في المستقبل، أما الابن المهمل قد يتحدى وينتفض بسبب تلك المعاناة أو التمييز، وقد يكون العكس وتتحطم ثقته بنفسه حتى وإن كان ذكياً، وهذا يتفاوت من طفل لآخر.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية