تاركاً الميليشيات الكردية تواجه مصيرها والتي كانت منذ عام 2015 القوة الأساسية العاملة لحساب واشنطن وحلف الأطلسي في سورية، وأن الحكومة التركية تصنفهم كإرهابيين ولابد من القضاء عليهم.
وبعد أن دعا ترامب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أطلق البيت الأبيض تصريحاً جاء فيه:(ستباشر تركيا عمليتها المبيتة منذ زمن في الشمال السوري، والقوات الأميركية لن تساند هذه العملية، ولن تشارك فيها، وأن القوات الأميركية التي ألحقت الهزيمة بداعش لا تجد ضرورة للبقاء، وستغادر هذه المنطقة في الحال).
ومع موافقة الولايات المتحدة، أعدت الحكومة التركية لحمام دم ضد «قسد» في سورية، وكانت واشنطن وأنقرة قد اتفقتا أن تبسط القوات التركية سيطرتها على طول الحدود السورية - التركية.
ميليشيات قوات سورية الديمقراطية (قسد) توجهت إلى الأكراد ودعتهم لمواجهة العدوان التركي، واعتبر الناطق الرسمي باسم هذه القوات (كينو غابرييل) أن تصريح البيت الأبيض بمثابة خيانة، وقال:(كان التصريح مفاجئاً، ويمكن القول إنه طعنة في ظهر قوات مايسمى سورية الديمقراطية).
لا تتجاوز قوات سورية الديمقراطية 60 ألف مقاتل في مواجهة الجيش التركي المزود بأسلحة ثقيلة وأضافوا أنهم حصلوا على:(ضمانات من الولايات المتحدة بأنها لن تسمح بقيام أي عملية عسكرية في المنطقة). إن اجتياح تركيا للأراضي السورية بدعم أميركي لسحق القوى الكردية يعد جريمة فظيعة وتصعيد للعنف في المنطقة التي استنزفت خلال عقود من الاحتلال الاستعماري وحروب بالوكالة، بدءاً من الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة ضد العراق عام 1991، إلى حروب حلف الأطلسي في ليبيا وسورية في عام 2011، لكن ما حدث قبل أشهر أن أوقف ترامب الضربات الجوية على ايران قبل 10 دقائق من انطلاقها، وذلك انتقاماً من القوات الإيرانية التي أسقطت مسيرة أميركية في الأجواء الإيرانية.
وغداة الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003، دعمت الأحزاب الكردية في شمال العراق الاحتلال الأميركي، وبعد أن هزمت الدولة السورية الميليشيات المرتبطة بـ(القاعدة) المدعومة أطلسياً بمساعدة روسيا وايران، أصبحت وحدات حماية الشعب الكردي القوة الرئيسية المفوضة من واشنطن في تدخلها المباشر في سورية تحت شعار محاربة (داعش).
هذا لا يعني تورط الميليشيات الكردية في جرائم الحرب الأميركية في سورية والعراق فحسب، بل في إثارة خلافات حادة بين واشنطن والنظام التركي، فأنقرة تاريخياً قمعت الشعب الكردي، وخاضت حرباً دموية استمرت لعقود ضد حزب العمال الكردستاني، وخوفاً من إقامة الدولة الكردية داخل الحدود السورية، حاولت عدم استفزاز النزعات الانفصالية الكردية داخل تركيا نفسها، لكن ما لبثت أنقرة أن اصطدمت بسياسة واشنطن في سورية.
في كانون أول الماضي، بوعي تام للمشاعر المناهضة للحرب في أميركا، وخوفاً من انهيار العلاقات مع تركيا، أعلن ترامب سحب عدة آلاف من القوات الأميركية العاملة مع قسد، لكن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ألغ القرار، ما أثار موجة انتقادات من جانب الجمهوريين والديمقراطيين في واشنطن، وبعده عادت القوات الأميركية لترابط في سورية، ولتستمر الخلافات بين واشنطن وأنقرة بالتصاعد.
حالياً، وقع ترامب اتفاقاً مع أردوغان، في وقت بلغت فيه الحرب والأزمة داخل إدارته ذرى جديدة، وبعد أن ألغى ترامب الضربات ضد ايران، وإقالة أحد أكبر مؤيدي الحرب على ايران، مستشار الأمن القومي جون بولتون، بات الأخير هدفاً لعصبة الأقوياء في الطبقة الحاكمة ومؤسسة السياسة الخارجية التي يقودها الحزب الديمقراطي.
وتعكس الأزمة المتعلقة بقرار ترامب الأخير القاضي بالانسحاب من سورية حالة الصراع الحاد على السياسة الخارجية التي صارت وتراً يعزف عليه في الحملة المطالبة بإقالة الرئيس، فالقرار أثار حملة استنكار واسعة لدى معارضي ترامب، وحتى الكثير من داعميه في الحزب الجمهوري كالسيناتور ليندسي غراهام، وبريت ماك غورك الذي استقال من منصبه كمنسق للسياسة الأميركية فيما يخص (داعش) احتجاجاً على سحب ترامب للقوات الأميركية عام 2018، ووصف القرار الحالي بـ (الهدية لروسيا وإيران وداعش) .