فبعد أول رية مطرية ترى الجميع في حالة تأهب وتجهيز للأدوات والأنفس لرحلة تبدأ مع ساعات الصباح الأولى
فترى مواكب المزارعين الراجلة أو المستقلة للجرارات الزراعية في مشهد كرنفالي جميل يدخل البهجة للنفوس ، ويكسر روتين الحياة اليومية ، مع أصوات ضوضاء محببة صادرة عن أهالي القرية المتجهين إلى حقول الزيتون وكلهم أمل بموسم وفير .
الثورة أحبت أن تشارك مزارعينا يومهم في إحدى حقول الزيتون في ريف منطقة صافيتا وكانت اللقاءات التالية :
_ محمد غانم أحد المشاركين في عملية القطاف حدثنا عن آلية العمل قائلا : في بداية الموسم يقوم كبار السن بزيارة الأرض للتأكد من أن الوقت قد حان للقطاف , حيث يكون التوقيت المناسب بعد( رية) الزيتون وهي أولى الأمطار التي تهطل في بداية فصل الخريف ، حيث تغسل تلك الأمطار الأشجار وتزيل عنها الغبار ، كما تساهم في زيادة نسبة الزيت في الزيتون . ويتابع محمد قائلا : يبدأ يومنا منذ الساعة السادسة صباحا ، حيث نكون قد جهزنا (الزوادة) في اليوم الفائت والمكونة من البيض والمكدوس والبطاطا المسلوقة وحبات البندورة وذلك لسهولة حملها ، وحين نصل الأرض نقوم باختيار شجرة ونبدأ بفرش قطعة قماشية أو نايلون تحتها حتى يتساقط الزيتون عليها ، وتصبح أسهل عند جمعها ، وبعد ذلك يبدأ العمل .. نصعد شجرة الزيتون ونقوم بنبرها , ونستخدم في هذه العملية عصا طويلة وقطعة بلاستيكية تشبه المشط تسمى (الشفاطة ), بينما تقوم النسوة والصغار بغربلة الحبات المتساقطة وتخليصها من الأوراق ، وتعبئة ثمار الزيتون في أكياس وتجميعها جانبا لآخر يوم بالقطاف من أجل أخذها للمعصرة ، ولا ننسى قطاف الزيتون من الأغصان القريبة والتي لا تحتاج لصعود الشجرة من أجل تأمين ( مونتنا ) من الزيتون لعام كامل . وهنا يتدخل العم أبو حسن ويقول : يا ابنتي اعتمادنا الأساسي في منطقتنا على شجرة الزيتون المباركة ، لذلك نقوم بتأمين حاجتنا من الزيت والزيتون الأخضر والأسود ( العيطون ) وما يزيد عن حاجتنا نقوم ببيعه من أجل تأمين مورد مادي يساعدنا في هذه الحياة الصعبة .
_ ولدى سؤالنا (العم أبو حسن )إن كان يشعر بالتعب .. أجابني والابتسامة تعلو ثغره : بالعكس يا ابنتي أشعر بالسعادة .. فموسم القطاف فرصة لاجتماع العائلة بأكملها (أبنائي المتزوجين والموظفين ) في محافظات أخرى يأخذون إجازة من أجل مساعدتنا وأخذ حصتهم من الغلال ، ويضيف قائلا : هناك بعض العائلات التي تستقدم أيدي عاملة من القرية أو القرى المجاورة ، حيث يقوم صاحب الارض بإعطائهم ثلث غلة الزيتون كأجرة يومهم , وهو أمر متعارف عليه عند سكان القرى والأراضي .
_ عبير شابة جامعية في مقتبل عمرها تقول : العمل بقطاف الزيتون ممتع للغاية أحرص أن أشارك أهلي العمل في كل موسم ، في أحضان طبيعتنا الجميلة، حيث نجتمع جميعا ..نعمل ونتسامر ونتبادل الأحاديث مع بعضنا ومع جيراننا في الأراضي المجاورة ، وقد اعتدنا في نهاية كل موسم أن نقيم حفلة شواء تسمى عندنا ( الخلاصة ) وهي عادة قديمة يتبعها معظم أهالي القرى .
أخيرا
في نهاية زيارتنا الحقلية ومع غروب الشمس ، غادرنا الحقل مودعين أصحابه الذين كانوا يهمون بوضع أكياس الزيتون في جرارهم الزراعي ،استعدادا للعودة إلى منازلهم وقراهم، متمنين لهم موسما وفيرا، ومباركين لليد التي تزرع , وتأكل من خيرات أرضها وكد تعبها، مع التمنيات للجميع بموسم وفير، وكل موسم زيتون وأنتم بخير .