وآخر هذه الأزمات ما نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن وجود أزمة ديموغرافية كبيرة في الكيان الإرهابي بسبب عزوف يهود الشتات عن القدوم إلى فلسطين المحتلة أولاً والهجرة اليهودية المعاكسة من داخل الكيان إلى الدول الغربية وخصوصاً الأوروبية .
وحتى لا يبدو هذا الكلام مجرد تحليل لا أساس معلوماتي يقوم عليه نورد هنا ما كشفت عنه سلسلة تقارير نشرتها الصحيفة الإسرائيلية المذكورة مؤخراً حول محاولة إسرائيل دفع اليهود الأوروبيين اليهود للهجرة إلى فلسطين المحتلة وفشلها في ذلك كما حصل مع دعوة نتنياهو يهود فرنسا للهجرة ورفضهم القاطع لها واستهزائهم بهذا الأخير ، وتؤكد هذه التقارير فشل المحاولات الإسرائيلية حثّ يهود أوروبا على الهجرة إلى فلسطين المحتلة، وتبين أيضاً أنّ غالبية اليهود الأوروبيين الساحقة، لا تُبالي بالحملات الإسرائيليّة التي تناشدهم للهجرة إلى ما تسميه «أرض الميعاد» المزعومة، كما أن حكومة الاحتلال أخفقت في حملات الترهيب التي قادتها في الهجمات التي تشهدها أوروبا من حين إلى آخر، من قبل تنظيمات إرهابية أوروبيّة يمينيّة متطرفة جدًا.
وليس هذا فحسب بل تشير تقارير صحفية أوروبية إلى أن العديد من المعاهد الصهيونية وبدعم من الحكومة الإسرائيلية لم تدخر جهداً لوضع المخططات واتباع كل الأساليب لتحفيز الهجرة الأوروبية واستيعابها إسرائيلياً إلا أن يهود أوروبا يرفضون الخطاب الصهيوني ويؤكّدون على هويتهم الوطنيّة في دول عديدة مثل فرنسا وبلجيكا.
ومن المعروف أن مشروع تحفيز هجرة يهود العالم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة هو المشروع الأهم والأساس للحركة الصهيونيّة، حيث شهد في السنوات الثماني الماضية انهيارًا كبيرًا، مقابل مع ما كان في سنوات التسعينيات، وأعاد الهجرة إلى معدلات سنوات الثمانينات، أي بين 14 ألفا إلى 18 ألف مهاجر سنوياً في حين أن معدل الهجرة العكسية، أيْ مغادرة فلسطين المحتلة والعيش في الغرب، في حدود 12 ألفا سنوياً.
وفوق هذا وذاك يواجه كيان الاحتلال معوقات لوجيستية جمة في هذا المجال ، حيث يعيش أكثر من 90 بالمئة من اليهود الأوروبيين في أوطانهم في مستوى معيشة أفضل بكثير مما قد يوفره الكيان الصهيوني لهم ، إضافة إلى عامل الاندماج الذي يزيد من قلق الصهيونية فأعداد اليهود في العالم تتناقص سنوياً بعشرات الآلاف بسبب عامل الزواج المختلط بين اليهود وديانات أخرى فضلاً عن ابتعاد العلمانيين من أصل يهودي ومقاطعتهم للمؤسسات الصهيونية.
وهذا الواقع الأليم الذي تتجرعه إسرائيل اعترفت به صحافة العدو ومنها هآرتس التي قالت بأن اليهود الأوروبيين، لا يشعرون أنفسهم منفصلين عن أبناء قوميتهم، بمعنى قومية الدولة التي يعيشون فيها. وهمومهم الأولى، هي هموم أوطانهم، وإسرائيل ليست في حساباتهم .
باختصار يجد الكيان الإسرائيلي الذي يحاول أن يبني لنفسه كياناً يهودياً خالصاً من خلال ما يسمى « يهودية الدولة» يجد نفسه منهاراً من الداخل بشتى أشكال الأزمات مثل الأزمة الديموغرافية التي تبشره بمستقبل مظلم لا يرى فيه مهاجرين أو مستوطنين جدداً ناهيك عن مقاومة الشعب الفلسطيني وتشبثه بأرضه وتراثه وقوميته، وهذا كفيل بتحقيق النصر على هذا الكيان الإرهابي .