|
أنا بوليس.. والعلاقات السورية الإيرانية شؤون سياسية التي اكتسبت عمقها ومصداقيتها مع مرور الزمن, وأن هذه العلاقات تعرضت لضغوط ومراهنات كثيرة لكنها ظلت تتجذر عميقاً في حياة البلدين. لقد برهنت مسيرة العلاقات السورية- الإيرانية منذ قيام الثورة في إيران أن مستقبل وواقع هذه العلاقات لاترسمها أو تحددها المواقف التكتيكية التي ينتهجها أي من البلدين ولا تلك الهوامش الصغيرة التي ترسمها المصالح الوطنية وإنما ترسمها المصلحة المشتركة والمواقف المشتركة التي تتمحور حول قضية هامة تتهدد الأمتين العربية والإسلامية والأمن والسلام في المنطقة, تنحصر في أهداف الدولة الصهيونية ذات الأهداف التوسعية مع أمريكا كقوة هيمنة تريد إخضاع المنطقة كلها من الأطلسي إلى حدود بنغلادش في إطار الشرق الأوسط الكبير. رؤية كل من إيران وسورية لمؤتمر ( أنا بوليس ) لاتتناقضان في حقيقتهما, فكل منهما كان يرى أن هذا المؤتمر لن يتمخض عن نتائج إيجابية كبيرة تصب في مصلحة حل شامل وعادل, وإذا كان الرئيس بوش يريد من هذا المؤتمر تسليط الضوء عليه من جديد في زمن هزائمه وانتكاساته..فإن حضور سورية المؤتمر كان انتصاراً لصمود سورية وتمسكها بثوابتها ومنطلقاتها على مدى سنوات بالرغم من كل الضغوط التي تعرضت لها, فإدارة بوش أرادت عزل سورية وتجميد دورها منذ سنوات وبخاصة بعد احتلال العراق, ولكن صلابة الموقف السوري في وجه كل أنواع التهديد والعزل والحصار أكد أن سورية كانت وستظل الدولة المحورية, ونقطة الارتكاز لأي حل أو تحرك في المنطقة, وعزلها أو تضمير دورها مسألة مستحيلة. إيران الصديقة والشقيقة تعرف أبعاد وأهداف توجه سورية إلى المؤتمر, وأن ذهابها جاء لتأكيد مجموعة الثوابت والمنطلقات التي تشكل جوهر السياسة السورية, وأن محاولات العزل والإقصاء من قبل أمريكا وإسرائيل وأطراف تدور في فلكهما باءت بالفشل, وحضور سورية هو نجاح للمواقف الإيرانية والسورية معاً ولنهج المقاومة والتصدي في لبنان وفلسطين وفي كل مكان من الأرض العربية. تقرير بيكر هاملتون كان قد أكد أهمية الحوار مع سورية, ولكن إدارة بوش ظلت تكابر وتتجاهل هذا التقرير, ودعوة سوربة إلى المؤتمر جاء على خلفية هزائم إدارة بوش في العراق وفي فلسطين وفي لبنان وفي إدارة أزمة الملف النووي الإيراني, كل ذلك مكن سورية من فرض شروطها على هذا المؤتمر, ومجرد فرض موضوع الجولان على أجندة المؤتمر يعتبر انتصاراً لسورية على الصعيدين المعنوي والسياسي, ورضوخ أمريكا للشرط السوري يتلاقى مع رؤية وصلابة الرؤية المشتركة للتحالف السوري -الإيراني وليس غير ذلك, وأي قراءة تناقض ذلك هي قراءة تشكيكية وذات أهداف بغيضة. التحالف السوري مع الثورة الإيرانية انطلق من تحول إيران في زمن الشاه من فك كماشة أخرى على العرب إلى قوة مواجهة للمشروع الصهيوني التوسعي في زمن الثورة, وهذا ما اتجه بالعلاقات السورية- الإيرانية نحو التجذر, وعملت القيادتان السورية والإيرانية لبناء علاقات عربية- إيرانية تخدم العرب والمسلمين في مواجهة إسرائيل التي تريد التمسك بالأراضي العربية التي احتلت عام 1967 وبخاصة مدينة القدس وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية..وإذا كان لدى بعض الجهات قراءة أخرى فهي قراءة ذات خلفيات أمريكية واضحة الأهداف. إن مرجعيات سورية في المؤتمر تعرفها الدول التي شاركت في المؤتمر, وتعرفها الإدارة الأمريكية جيداً, وهي مرجعيات قومية وعروبية وقانونية, فالجولان سوري ولا مساومة عليه, ولا مساومة على حبة تراب من القدس والجنوب اللبناني, وحضور سورية جاء تأكيداً على هذه المرجعيات التي تتقاطع مع الرؤية العميقة للموقف الإيراني, واستناداً إلى تلك الثوابت يمكننا القول: إن العلاقات السورية- الإيرانية ستظل قوية ومتينة لمواجهة أخطار المشاريع الصهيونية الأمريكية.
|