تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


القادم من المأزق .. الذاهب إلى المجهول!!

شؤون سياسية
الاربعاء 5/12/2007
د. أحمد الحاج علي

( أنا بوليس) هذا, بدأ استهانة واستقر غموضا يتناقض العرب عليه تتآكل في إيقاع تطوراته واستحقاقاته آخر ما تبقى من أشلاء الموقف السياسي للعرب حتى لكأنه مصمم لهذه الغاية دون غيرها,

وجريا على منطق المنهج السياسي المصمم للعرب من الغرب تطل هذه الحالة برأسها من الحجر تستطلع موجودات العرب من الوجود وطاقة الاحتمال وعناصر الاشتراك فيما بينهم, ثم تستهلك ما حصلت عليه في تنظيم برنامج سياسي.‏

نشاط بأوجه متعددة متناقضة وتطلق الكذبة الكبرى والخديعة الأكبر بصياغات منمقة فاقعة من الظاهر, مترعة بالكيد والسموم ومصادر الحقد في الجوهر وهناك باستمرار طرف أجنبي يرسم ويقود ويتابع, وآخر عربي يستقبل ويستلم حصته من النكسة الجديدة, كل على قده, وكل بقدر الوظيفة المنوطة به, حتى لقد بدت اللوحة وكأنما هي أوامر تصدر واستجابات عربية معلبة تقدم الطاعة والتبريك لهذا الفصل الجديد من أطول مسرحية امبريالية صهيونية في تاريخ العالم المعاصر وأوسع وأعمق رواية تحيط بالكارثة وتؤرخ لها بدم بارد وبخروج على المنطق وبانحياز مكشوف نحو الاستهانة والإهانة ونحو تنفيذ الواجب الاستعماري بأسلوب آخر البؤر المستعصية في الحياة العربية الراهنة. أنابوليس لا ينقصه إلا أن نتبناه نحن العرب وأن نعد العدة للاحتفال المفتوح بالمنجز الجديد الذي سوف يغير معالم المنطقة ويتحفنا بسلام خاص لا أب له ولا أم, لا هوية فيه ولا علامة فارقة, لا متن له ولا حواشي سوى أنه عنوان بصيغة الكلام وما تحت العنوان من أسرار وتفاصيل سوف تبقى في طي الكتمان وفي المسافة المجهولة منذ اللحظة إلى أمد بل إلى آمادٍ لا يرى نهايتها إلا من برمج المسافات وقدر الخطوات ولقن كمبيوتر المشهد السياسي الكبير كل المعطيات التي أرادوها لنا وعلينا وفينا, بودي أن أسحب معنى المكان إلى حيز المأزق السياسي والتاريخ يقول: إن مدينة أنابوليس الواقعة في ولاية ميرلاند وهي الأقرب إلى واشنطن تم اختيارها بعناية وليس بالمصادفة فهي الموقع الذي تمت فيه عملية إقرار وثائق التوحيد للدولة الأميركية المعاصرة بعد حرب الولايات على المحتل الانكليزي والفرنسي والاسباني وبعد حرب طاحنة بين الشمال والجنوب الأميركي, وما زال مقر الكونغرس في أنابوليس قائماً وشاهداً ويحظى بالاهتمام ويؤمه الزوار من كل مكان, أرأيتم إلى جورج بوش الابن إذاً هو ذكي أكثر من اللازم ويختار بتفاؤل ويعتمد على يمن الطالع.‏

لقد أخذ السياسيون العرب مهماتهم وأذونات سفرهم ذهابآً وإياباً دون أن يديروا السؤال في ذاتهم أو فيما بينهم إلى أين نحن ذاهبون? ماذا سوف نناقش وعلى أي مادة سوف نتحاور وما الذي ننطلق منه, وما الذي نسعى لتحقيقه, لا شيء من ذلك على الإطلاق, إن السؤال حرام ومحرم هنا ويكفي أن يحتفي العرب ويحتفلون دون أن يكلفوا أنفسهم عناء السؤال عن ضرورة ما يجري وغائية ما يحدث ونفعية ما يسفح من وقت وجهد وإعلام وهدر كرامة.‏

إن جورج بوش الابن يعتصم بفكرتين تحيطان به ويحيط بهما, أولاهما أنه المسؤول أمام السماء وقد أوصل الوحي إليه رسالة أنابوليس وعبر هذا المعنى يريد هذا الرئيس الأميركي الغريب أن يقول لليهود أنا من فقه التوراة وأنا من مفردات العهد القديم, أنا مكلف ولا أملك رداً أو تغييراً على ما كلفت به, وثانيهما أن اختيار المكان والزمان هو فاصلة أخرى في قافلة التهريج والتفاؤل.‏

وهكذا كنا نشهد هذه الاختلاجات العاطفية يبديها جورج بوش لإيهود أولمرت الذئب البشري المعاصر المستنسخ من الجوع والخواء والحقد والشذوذ النفسي ولا يكتفي سيد البيت الأبيض أن يعلن بنشوة أنه مع الطرح المستجد لمقولة الدولة اليهودية بل سرعان ما يقول بحنان مكبوت متقيح لاولمرت أنا فخور بك يا سيدي, والتصنيفات عند بوش سهلة رخيصة وإغداق المزايا والبطولات هين لين يعطى لكل من أدرجته واشنطن للتو في كادرها الوظيفي السياسي من النوع العربي كما من النوع اليهودي ونذكر جميعاً كيف اعطى لأحدهم من العرب في الجوار لقب القائد العظيم.‏

إن ما تنجزه السياسة الأميركية عبر ملتقى ولربما (صرعة) أنابوليس لا تفهم باعتبارها تصدر عن مزاج أو تستوعب حالة الضعف العربي لتنشب أظفارها أعني آخر أظفارها وأنيابها في الجسد العربي السياسي المخدر والمحنط والفاقد للرعشة وفورة الدم واستفاقة الوجدان.‏

إن المسألة أكبر بكثير مما يرتكس في وسائل الاعلام من تحديد وتحليل ومما يصدر عن اللاعبين الأميركيين والإسرائيليين من تصريحات يغتال بعضها البعض الآخر لكي تصل إلى العرب بمفردة واحدة هي أيها العرب أنتم اعداؤنا وإن اطلقنا عليكم صفة الاصدقاء والمعتدلين وأصحاب الشأن, وهنا تتدافع العوامل التي قدمت لهذه الخطوة المشؤومة واحتضنت بواكير مقدماتها وعندي كما يفترض العقل والوعي والتحليل أن الأسباب موزعة بثلاثة:‏

- أولها هذا المأزق الخطر الذي أطبق قبل أشهر على السياسة الأميركية والوجود اللوجستي والأدبي الأميركي في المنطقة العربية.‏

لقد وصلوا إلى ضفاف الكارثة, فقدت واشنطن هيبتها وضاعت منها مقاليد التحكم وتاهت عندها مصادر البناء السليم لقرار يصدر عن دولة عظمى ولربما الدولة الأعظم في عالم اليوم, كانت المقاومة في العراق ولبنان والانتفاضات في فلسطين والصمود الحي في سورية.‏

كل ذلك وضع الولايات المتحدة في المأزق الحرج وهاهي الآن تدعي المبادرة وتحاول أن تضحك على مأساتها بأنها ما زالت قوة التحريك وأداة السيطرة ومصدر التشريع في الحلول والسلام كما في منطقها وفهمها, وفي هذه اللحظة الحرجة هناك من العرب من سارع بالنخوة والحمية المعتادة لكي يعطي للمأزق الأميركي ما يلزمه من التجميد أولاً ومن العودة للعبث بالعالم ثانياً.‏

وثانيها هذه التداعيات والنتائج التي أفرزتها بصورة منتظمة ومستدامة قصة الحرب الاستثنائية في تموز من العام 2006 عبر المعارك المشهودة بين لبنان المقاوم والكيان الإسرائيلي المنتفخ ادعاءً وغروراً وصلفاً والذي ما برح ينز سماً زعافاً وحقداً لاضفاف له.‏

وهنا فرضت الكارثة نفسها مرة أخرى, هناك من العرب الرسميين لا يصدق ما حدث ولا يريد أن يصدق ما حدث والحال يقول ما كذب الفؤاد ما رأى ولهذا المعنى تبرعت السياسات العربية بدورها لكي تجمد النتائج ثم تعيد إنتاجها على شكل مآزق وأزمات تبدأ في لبنان العربي ثم تتحرك بجاذبية الضعف والهوان إلى أي منطقة تراها مناسبة وضرورية وقد وقع عليها الاختيار في الموعد الرسمي المناسب.‏

وثالثها أن الرئيس الأميركي صاحب الطباع المهووسة والتعبير المتشنج والمظهرية المنفرة, هذا الرجل الذي يحظى الآن بتسمية رئيس الدولة الأميركية هو ورئاسته الآن على أهبة الرحيل لم يعد الزمن كافياً وأطبقت اللوثة على جنون الخيارات وأنجز بوش محصلة عداء لأميركا لا تعادلها هزيمة محتملة عبر حرب عالمية ثالثة, مشهور هذا الإنسان بالعداء للشعب الأميركي مفعم بالوهم والجهل متخم بجنون العظمة ويعرف ذلك عن نفسه ويعرف الشعب الأميركي ذلك عنه وحزبه على بصيرة بذلك لكن المسألة ما زالت محكومة بما تريده الصهيونية العالمية التي استهلكته رئيساً وسوف تبصقه فتاتاً وصورة لا يتعاطف معها أحد. ومن هنا كان هذا الاستعجال من أجل أنابوليس, كانت الدوائر الصهيونية ومعها ما تبقى من (ستاف) المجموعة المتصهينة في أميركا تحاول أن تستثمر الساعات والدقائق لكي يولد الملتقى المشبوه ثم يمضي كل في سبيله وإلى غايته عبر مشاهد التطبيع في مبتداها واحتمالات الحوار في متاهاتها التي لا يحيط بها أحد.‏

هكذا أصبح ملتقى أنابوليس وسيلة وهدفاً في سياق واحد وصار بإمكان السياسة الأميركية الراهنة أن تدعي بتبجح أنها استعادت زمام المبادرة وأنها أدت رسالتها نحو اليهود بأنهم أصحاب القرار وسادة الموقف ومالكو الرؤية السديدة والمنافع البعيدة. وهكذا صار العرب يفخرون بأنهم قد حضروا المسرحية واستمتعوا بفصولها ثم غادروها إلى السبات والخدر ومواكب الادعاء, ولسوف تبقى فاصلة مهمة يطرحها السياق ويلح عليها الموقف عبر تطبيقاته, لماذا شاركت سورية العربية في الملهاة?‏

لأننا أصحاب أرض محتلة وعلى الجولان سيتقرر مصير الصراع العربي الصهيوني وكنا نعلم ونعي سلفاً أن هذا الملتقى فاشل لكنا لا نريد أن نعطي لأميركا وإسرائيل حق تقرير المصير ولهذا المعنى كانت سورية في المؤتمر.‏

وفي السياسة حينما لا تربح يجب ألا تخسر على الأقل, ذهبنا وتقويمنا لأنابوليس واضح تماماً قبل انعقاده وبعد انعقاده وفي عمق منهجنا أن الثوابت لا تتزلزل ولا يوجد عندنا ما يخضع للمساومة, واطلقناها فكرة واقعية لعل من أخذه الطوفان يتمسك بسفينة النجاة الفينيقية المصنوعة في سورية المعاصرة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية