وكأن هؤلاء لم يأخذوا العبر القاسية التي خلفتها خياراتهم السياسية القاسية في العراق, ويرون اليوم في إيران خطراً محدقاً قد يداهمهم في أي لحظة, ويعتبرون العمل العسكري الحل الوحيد والكفيل بالقضاء على ذلك الخطر الماثل أمام عيونهم فقط.
هذه الحرب الهمجية ترتكز على ثلاثة براهين - كما يرى البيت الأبيض ودعاة الحرب, أولها أن بوسع إيران امتلاك أسلحة نووية قادرة على تدمير (إسرائيل) بالكامل وتهديد أميركا ومعها دول المنطقة.
فإذا ماتخلت إيران عن طموحها النووي, فلن تعود عندئذ لتشكل تهديداً لأميركا وحلفائها وعلى رأسهم ( إسرائيل), لماذا?! بكل بساطة لأن أميركا و(إسرائيل )تمتلكان منشآت بل ترسانة نووية ضخمة, حتى لو امتلكت إيران ذات يوم ترسانة كتلك, فلن تستطيع استخدامها ضد أميركا و(إسرائيل) دون أن تعاني هي الأخرى من تبعات كارثية لاتحمد عقباها.
مع ذلك يؤكد صقور الإدارة الأميركية أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أعلن مراراً بأنه يريد( مسح إسرائيل عن الخارطة) غير أن هذا الإثبات يستند بداية إلى ترجمة خاطئة لأقواله, والترجمة الصحيحة هي (أن إسرائيل يجب أن تختفي من هذا العصر) وهي عبارة لاتدعو مطلقاً إلى تدمير إسرائيل, وبالتالي لايمكن اعتبار أقواله دعوة صريحة لإطلاق هجوم نووي على إسرائيل, وليس بإمكان أي دولة أخرى التفكير بشن حرب على دولة ما بناء على ترجمة خاطئة لتصريح ما.
أما السبب الثاني المقدم لتبرير (الهجوم المحتمل) ضد إيران فهو تدخلها في العراق كما تتهم, علماً أن إيران لاتتحمل أي مسؤولية عن تدهور الأوضاع فيه, بل أميركا وأميركا فقط تتحمل المسؤولية التامة إلى ما آلت إليه الأوضاع في هذا البلد المنكوب, فإدارة بوش هي التي غزت واحتلت العراق تحت ذرائع واهية لاتنطلي على أحد, وليس خافياً على أحد أن إيران تبذل جهوداً مكثفة لحماية مصالحها على الساحة الدولية, ولديها كل الأسباب المقنعة للتعاون مع نظام صديق في بغداد, واتخاذ كل الحيطة من إدارة عراقية مقربة جداً من واشنطن ولاغرو أن السرور ينتاب المسؤولين الإيرانيين عندما يرون أميركا متورطة في العراق بل غارقة في مستنقع لاتعرف السبيل للخروج منه.. ومع ذلك لايمكن كبار الموظفين في البيت الأبيض والبنتاغون عن الدعوة إلى تغيير النظام في إيران, لا يغدقون ملايين الدولارات على الإيرانيين المعارضين والمتمردين في منفاهم من أجل هدف كهذا.
أما السبب الثالث للحرب فيكمن في الدعم الذي تقدمه طهران لحزب الله وحماس, فإذا كان هذا المبرر صحيحاً فلابد من أخذ العلم أن تأييد إيران لهما إنما جاء رداً تكتيكياً على جهود أميركا المتواصلة لعزل طهران ورفض الدول الأوروبية والدول الأخرى إمكانية أن تقوم بدور إقليمي هام في المنطقة إضافة إلى أن مساندة طهران وتأييدها التام للقضية الفلسطينية تتيح لها ثني جيرانها العرب عن الانضمام إلى التحالف ضدها.
والأهم من كل هذا أن أي حرب وقائية جديدة سوف تقضي قبل كل شيء على المصالح الغربية في المنطقة كلها, إذ إن أي ضربات جوية أميركية محتملة قد تؤخر البرنامج النووي الإيراني غير أنها لن تستطيع إيقافه أو إنهاءه.
وأي هجوم عسكري سيوفر لطهران سبباً قوياً لامتلاك وسائل ردع ضد هجمات أميركية مستقبلاً, فضلاً عن تعزيز وضع الرئيس أحمدي نجاد: فاللجوء إلى الحل الدبلوماسي هو الحل الأمثل بحسب ما أوصت به اللجنة التي وضعت دراسة مطولة حول العراق عام .2006
والتهديد بالحرب يجب أن يسحب بأقصى سرعة لأنه سيقود إلى نتيجة يسعى الجميع إلى تفاديها ألا وهي امتلاك إيران للسلاح النووي.