حتى ولو احتاج الأمر إلى استخدام القوة, وردت الحكومة في طهران بالتأكيد على عدم نيتها الاتجاه لعسكرة الذرة وأنها تلتزم بتعهدها كدولة موقعة على اتفاق عام 1970 الخاص بعدم انتشار الأسلحة النوويةTNP وأن برنامجها النووي الحالي في تخصيب اليورانيوم ليس إلا لأغراض سلمية مدنية, وامتلاك دورة الوقود النووي يهدف إلى تغذية محطات كهرباء في المستقبل وبالتالي فهي ليست في وارد وقف نشاطها هذا بالرغم من الطلب المجمع عليه والمتكرر من مجلس الأمن الدولي, واتخذت الدول الكبرى ضمن المجموعة الأوروبية نفس الخط, وقد فرضت عقوبات تجارية ضد طهران بينما تعارض روسيا مبدأ فرض عقوبات جديدة لأنه وكما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين إلى الرئيس نيكولاساركوزي أنه لم (يحصل على أي دليل يثبت أن إيران تطور برنامجاً نووياً عسكرياً) مع أن موسكو تذرعت بحجج عديدة من أجل عدم المضي في بناء مفاعل بوشهر وهو الأول الذي تم بناؤه في إيران, وحينما يشير الرئيس الأميركي إلى أن كافة الخيارات مطروحة على الطاولة فهو يلمح بوضوح إلى أنه لا يستبعد توجيه ضربة وقائية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية والولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تمتلك الوسائل العسكرية والإجماع السياسي الداخلي لدراسة تنفيذ هكذا ضربة محفوفة بشتى المخاطر ولكن الجانب الإيجابي في تلك المعمعة والخلافات الخطيرة النووية الأميركية - الإيرانية هو موقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ممثلة بالتحكيم النزيه والدقيق لمديرها محمد البرادعي والذي يتزعمها منذ العام 1997 بينما الجانب السلبي والخطير في هذا الملف فهو أن أوساط المحافظين الجدد الأميركيين يتزعمهم نائب الرئيس ديك تشيني تبحث في تقويض سلطة الوكالة بغية الاعتراض مسبقاً على الأحكام التي ستتخذها الوكالة خلال اجتماع مجلس حكام الوكالة, ومعروف أنه وفي ظل غياب أي حكم يزعم كل طرف دولي أنه سيحتكم لنفسه فالأمور ستغدو معقدة وأكثر خطراً في حين أثبت البرادعي جديته ومصداقيته وأهليته في تحكيمه وأثبتت بأنه قاضي سلام منصف حينما تجرأ في السابع من آذار 2003 الإدلاء بشهادته أمام مجلس الأمن الدولي ووزير الخارجية الأميركية آنذاك كولن باول مؤكداً عدم وجود أي دليل لنشاط محظور في العراق وقد أثبت التاريخ مصداقية أقواله, وفي العام 2005 استحقت الوكالة التي يريدها جائزة نوبل للسلام.
ولا يغفر نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني وأصدقاؤه من المحافظين الجدد للبرادعي صدق أقواله بخصوص العراق والآن يتهمونه بأنه يبدي تراخياً في الملف الإيراني, كونه مديراً للوكالة الذرية يعتقد أنه لا يزال ثمة متسع من الوقت للتفاوض مع الحكومة الإيرانية وأنه يوافق على تسلم التوضيحات الإيرانية الخاصة بنشاطاتها السرية السابقة ودراسة مقترحاتهم من أجل زيادة إشراف المفتشين من الوكالة على البرنامج النووي. ومع هذه الهجمات الشرسة والاتهامات للوكالة الذرية يواصل البرادعي عمله بيقظة وحذر شديدين وفي الثامن من الشهر المنصرم طالبه نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية شاؤول موفاز بالاستقالة متهماً سياسته بأنها تعرض السلم العالمي للخطر, والمحمل الوحيد على البرادعي هو أنه كان قبل ذلك بوقت قصير صرح بكلمات غاية في الوضوح في الشأن النووي الإيراني مؤكداً أنه لم يحصل على أي معلومات تفيد بوجود برنامج نووي عسكري ملموس يتم العمل عليه في إيران لغاية الآن, وإن كان ثمة الكثير من إشارات الاستفهام حسب رأي البرادعي فإن الوكالة لم تلحظ في إيران أي عناصر نووية يمكن أن تتحول إلى سلاح نووي ولم تلحظ أي برنامج لعسكرة الذرة.
إذاً ليس من سبب يدعونا للظن أنه وفي اليوم الذي ستتخطى فيه إيران الخط الأحمر باتجاه المضي في برنامج نووي عسكري أن يخفي البرادعي للعالم هكذا نشاط والدول الغربية بالتالي مدعوة لتقبل تحكيمه المقبل أياً كان.