ومؤلفه «صدقي اسماعيل» حيث أخذني إلى خلاصات فكرية وفلسفية ومعرفية لأعلام فكرية عالمية من عيار: ( شوبنهور وهمنغواي، وجان بول سارتر). وكنت كلما شعرت أن الحزن يخيم على روحي أفتح صفحات هذا الكتاب وأعيد قراءته فيفتح لي آفاق الأمل.
ولكن أهم ما تعلمته من هذا الكتاب أنه فتح لي الباب للتعرف إلى الحياة نفسها، فمن خلاله صرت أكثر قرباً من الناس في بلادي، أكثر قرباً من شجر الزيتون، من سنابل القمح، صرت أكثر هدوءاً في إطلاق الأحكام، وأكثر تفهما حتى لجنون المجرم.
ولأنني قررت منذ ولادتي الأولى أن لا أترك هذه البلاد، بدأت أصغي أكثر، فهذا القريب منك في الجغرافيا، قد لا يكون قريباً منك في الروح، فثمة بيوت تحتوي على خراب حقيقي، وهناك بيوت تحتوي على جنان حقيقية في الحب والتعامل.
تريثت أكثر وأنا أقرأ ملامح الوجوه، صرت أتعرف أكثر إلى الوجوه التي يختلط حديثها بروحها، ثمة وجوه عبارة عن أحجار متنقلة، وثمة وجوه معدنية، وكم هربت من وجوه المعدن، نحو الوجوه الإنسانية الطافحة بالود والحياة.
تشيخوف علمني أن الحب العميق والحقيقي، فسحة للإبداع في الحياة ذاتها، وعلمني أن الإنسانية لا يمكن تكون ناقصة في القلوب، فلا يمكن أن تكون إنسانياً في الصباح وقاتلاً بعد الظهيرة. وعلمني «بو علي ياسين» أن التاريخ ومراحله ودراسته يحتاج إلى عقل مفتوح وقبل كل شيء يحتاج الدارس إلى ضمير نقي لا تغيره المصلحة.
تعلمت من الشجر كيف أكون صبوراً، ومن السنابل كيف أكون معطاءً، و من الصبّار كيف أكون صعباً وحاداً عندما يعتقد الآخرون أنني سهل وساذج، من شجر السرو اقتربت من الحب، فكل حبّ يحتاج إلى حماية ومساحة من الأمان، والسرو يحمي.
علمني الشاعر الكبير نزار قباني التواضع. ومن علاقته بالحبر تعلمت كيفية الصدق في الكتابة وقيمة البحث العميق عن المعرفة.
هؤلاء بعض أساتذتي، والأهم أنني جلست على الرصيف لساعات وأنا أصغي لأحد الحرفيين ومنه تعلمت قيمة أن تكون منتجاً وعارفاً بعملي.
من الأطفال أخذت أهمية الفن في التعامل، ومن مكارنكو في قصيدته التربوية عرفت أن التربية مسألة دائمة لا تقف عند سن معين. لاسيما وهو يعلمنا أن المربي يحتاج أن يستخرج من الحياة نفسها نظريات تربوية جديدة. وما الحياة سوى الناس.
ومن أعلام الفكر والأدب تعلمت قيمة البحث عن المعنى، قيمة البحث عن لحظة صاخبة جميلة، فتلك الرواية التي جعلتني أبكي أكثر من مرة أثناء قراءتها، هي التي تستحق القراءة والاقتناء: (المدينة ذات العباءة القرمزية) لمؤلفتها أصلي إردوغان، وتلك الكتب التي تبدأ بالوعظ والتأستذ لا تستحق سوى النسيان والإهمال.
وقبل كل شيء تعلمت أن التعلم مسألة مستمرة من المهد إلى اللحد. ومازلت أتعلم من أبسط خلق الله، ومن أصغر برعم في زهرة.
M3alouche@hotmail.com