تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


وجه آخر للاستشراق

الملحق الثقافي
5-3-2013م
ترجمة: مها محفوض محمد : يعتبر الاستشراق مادة تاريخية ودراسة أدبية فنية بالدرجة الأولى لذلك كانت له وجوه عدة وقد انطلقت تلك المدرسة من القرن التاسع عشر في العصر الحديث غير أنها عرفت في بلاد الاغريق منذ غزوات الاسكندر الأكبر ومرافقيه من علماء التاريخ والجغرافيا وفنون العمارة والزخرفة والنحت.

وبمناسبة مرور ربع قرن على بناء معهد العالم العربي في باريس فقد تمت إعادة نشر مجموعة من مطبوعاته المتصلة بهذا العنوان منها ماتناول الاستشراق عندما سار نابليون بونابرت على خطا الاسكندر وحط رحاله في مصر «1798 -1801» وماحملته تلك البعثات الاستعمارية الفرنسية إلى العالم العربي من ويلات وماحصدته من ثروات ثقافية بشكل رئيسي خاصة إثر تمركزها في الجزائر عام 1830 واحتلالها لشمال افريقيا واقتسامها سورية الطبيعية مع شركائها من الانكليز والايطاليين .‏

وفي المؤلفات التي صدرت بهذا الخصوص مع مطلع هذا العام كانت هناك حصة للاستشراق الأدبي والفني ملفتة للنظر في كل من فرنسا وبريطانيا وايطاليا وبلجيكا حيث ترجم هذا الاستشراق على الصعيد الأدبي في أعمال الكثيرين أمثال: شاتوبريان ولامارتين ولورد بايرون وجيرالد دونيوفار وموباسان ودوآميسيس ولوتي وغيرهم بعد استشراق البندقية على يد أنصار بيللني وكارباتشيو.‏

وقد تركزت مدارس هذا التيار الفكري المتعدد الوجوه حول حوض البحر الأبيض المتوسط حيث ماتزال آثاره إلى يومنا هذا بعد محطاته المعروفة على الضفة الغربية للأطلسي وفي دول أميركا الجنوبية مع تدفق المهاجرين من العرب السوريين بشكل أساسي إلى العالم الجديد منذ بدايات القرن العشرين.‏

أما على صعيد الفن التشكيلي الذي استوحى الاستشراق منه فقد استقطب سحر الشرق العربي كل من الغريكو ورامبرانت وفرانرفرانكن ودولاكروا وآخرين لينعكس هذا الاعجاب في لوحاتهم بالرغم من أنهم لم يزوروا تلك المناطق إلا أن رامبرانت على سبيل المثال كان يقيم قرب غيتو من غيتوهات أمستردام حيث يقع المرفأ التجاري الذي ترسو في مياهه السفن القادمة من الشرق الحاملة للبضائع المختلفة من توابل وحرير الهند ونسيج الدامسكو الشامي ثم انتقل هذا الاعجاب إلى تلامذة رامبرنت وورثته ليأتي بعد هذا المعلم الايطالي غيامباتيستا يتوبولو بلوحاته المزدانة بسماء الشرق وشمسها الساطعة.‏

وكان فنانو القارة العجوز يتنقلون آنذاك عبر ضفتي المتوسط قبل أن يرتحلوا إلى شمال افريقيا وقد رسم دولاكروا عشرات اللوحات التي تصور الحياة الاجتماعية لأهل الشرق: أفراحهم وأتراحهم كذلك كانت أعمال شاسيريو وتسجيله لطبائع العرب الايتنوغرافية أيضاً كل من ديفيد روبيرتز وهانت.. ولاننسى أن ريشة هؤلاء تناولت ولادة السيد المسيح داخل مغارة بيت لحم ويوسف داخل مخازن الفرعون للفنان آلماتاديما هذا وقد اختلطت الأزمنة والأمكنة في أعمال الفنانين التشكيليين الاوروبيين آنذاك وكانت عدوى الاستشراق قد اتسعت رقعتها لتنقل من الفنون الأدبية والتشكيلية إلى الموسيقية والمسرحية فالعمارة والزخرفة والأزياء الأوروبية .‏

أيضاً نشرت المدرسة الرومانسية بدءاً بعرابها فيكتور هيغو»1802 -1885» هاجس الشرق في الأوساط الثقافية حيث عبر عن ذلك هذا الشاعر والمسرحي والروائي في مقدمة مجموعته الشعرية «المشرقيات» واستمد أفكار قصائده من التراث العربي: سلاطينه مآذن الجوامع وشواهد المقابر وقصور أمرائه فأغنت تلك الاقتباسات صوره الفنية ولغته وسرعان ماشغل الشرق العربي مخيلة تلك النخب الأوروبية‏

بعد أن هزتها رسائل «مونتيسكو» الفارسية كما كان للموسيقيين في القارة الأوروبية يومذاك نصيب من هذا الانشغال قبل نزول« عائدة» إلى المسرح الغنائي فألحان وأشعار التروبادور الجوالين القادمين من بلاد الأندلس التي حركت المشاعر في ردهات القصور الفرنسية والبريطانية والهولندية الباردة لتغزو الموسيقا العربية عدة جهات من أوروبا: إسبانيا الأندلسية غرباً والبندقية شرقاً ومن تلك الأخيرة انطلقت ألحان بيزنطية وسريانية وآرامية إلى أجواء الكنائس اللاتينية فاستيقظ الموسيقيون على أنغام ذات إيقاعات وجدانية تمتد جذورها في أعماق التاريخ العربي.‏

ثم أطلت« عايدة» صاحبة فيردي» 1813-1901» وعرضت لأول عام 1871 في القاهرة تلبية لطلب الخديوي اسماعيل باشا ثم في لاسكالا دوميلانو عام 1872 فأحدث عرضها ضجة هناك لاتزال أصداؤها تتردد سنوياً على تلك الخشبة الشهيرة في العالم وماتزال تقدمها بأسعار تفوق التصور.‏

أما أحداث هذه الأوبرا الغنائية فتجري أيام الفراعنة حين غزت جيوش ملك أثيوبيا بلاد الفراعنة لإطلاق سراح ابنته عايدة التي وقعت أسيرة المصريين وتحولت إلى جارية عند ابنة الفرعون المدعوة« آمنيريس» غير أن قائد القوات المصرية« راداميس» يقع في غرام عايده علماً أن آمنيريس تعشقه سراً وتجهل ابنة الفرعون أن والد عايده هو العدو اللدود لوالدها لكنها تكتشف حب راداميس لعايده حين يلقي هذا الأخير القبض على ملك أثيوبيا فيمنحه الفرعون يد ابنته آمنيريس مكافأة له ويطلب الملك الأسير من ابنته عايدة استجرار راداميس لمعرفة سر التحصينات المصرية فتلبي طلب أبيها ويكتشف الفرعون المكيدة ويحكم على قائد جيوشه بالموت أما عايده التي تبادل الشاب الحب فتلتقي بالخائن راداميس للمرة الأخيرة وتقرر أن تموت إلى جانبه.‏

وبعد فيردي» الذي يحتفي هذا العام بمرور مئتي سنة على ولادته» جاء كلود دوبوسي « 1862» الذي ظهرت اثار المشرق في أعماله الموسيقية وكانت واضحة المعالم.‏

ومن الكتاب الذين تركوا بصمات واضحة في الآداب الأوروبية مطعمة بالتراثين العربي وجنوب شرق آسيا هناك أندريه مالرو الذي شغل منصب وزير الثقافة الفرنسية مابين الأعوام 1959- 1969.‏

أيضاً من أهم علماء الاستشراق الذين تركوا أعمالاً هامة في هذا المجال الألماني بروكلمان والفرنسي شارل بيللا وزميله أندريه ميكيل.‏

إلا أن سحر الشرق كان قد دخل إلى اللغات الأوروبية من أبوابها العريضة منذ نهاية العصور القروسطية أيام الشاعر الإيطالي دانتي» 1265-1321» صاحب «الكوميديا الإلهية» وسرفانتس» 1547-1616» في رائعته «دون كيخوتيه» وشكسبير « 1564- 1616» في روائعه «عطيل» و«تاجر البندقية» و«كليوباترا» مروراً بكل من بيير كورنييه «1606-1684» وراسين» 1639-1699» وصولاً إلى فريد ريكو غارسيا لوركا «1898-1939» صاحب «حمام الدم» و«منزل برنادة».‏

ويقال إن أول مدرسة عربية للاستشراق كانت في إشبيليا منذ العام 1252 ولاننسى بودلير» 1821- 1867» وريث الرومانسية الأوروبية وجول فيرن في روايته « حول العالم في ثمانين يوماً» وهي أشهر رواية في تاريخ الأدب المعاصر وكثيرون غيرهم أمثال ساندراس الأديب السويسري والرحالة المعروف ونظيره الأميركي جاك لندن وبيكاسو التشكيلي المعروف الذي عبر مراراً عن تأثره بالفنون العربية الإسلامية في أعماله وأن جذوره الإسبانية حركت وهج الاستشراق في دمه...‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية