وبما أن المثقف مدرك لوجع أمته, فهو يعمل بطبيعة الأحوال على تحويل هذا الألم إلى عمل إبداعي يحتضن نبض الأمة وإرادتها ووجهها الحضاري...
وهنا نسأل ما وقع الأزمة الراهنة على أدبائنا ومثقفينا وشعرائنا ؟!
الثورة التقت بعض المثقفين للتعرف على بعض الآراء فكانت اللقاءات التالية:
إسماعيل مروة:
(ياشام خرجت أقوى وأعظم)
كان وقع الأزمة عليه جلياً، وقد شعرت بذلك عند قراءتي لكتابه (الشمس تشرق غداً ) الذي أصدره ليبشرنا من خلاله بفجر جديد.. فهو يقول: الشمس ستشرق على كل بقعة وحجر وإنسان, وهذا التفاؤل مردّه سورية وأبديتها شاء من شاء وأبى من أبى فهي الباقية والسابقة وماعداها قادم ومقيم وراحل، وكذلك أنا متفائل بإنسانها الذي أخفقت كل الأيديولوجيات في صهره وتذويبه, بل لم تنجح المؤامرات التي تتحدث عن تشرذم الولاء القومي أو الطائفي فكل ماسمعناه تفوح منه رائحة نتنة من المستحيل أن تبقى وخاصة مع قدوم الصيف فلا قدرة احتمال النتن المزعج. ويضيف مروة: لم أكن انتظر هذا اليوم في تاريخ سورية، بل لم أكن أتوقع في أسوأ الظروف أن أشهد ما نشهده, ليس من باب تعصب وطني أو سوري مرضي, بل من باب المنطق, فما نعيشه من تنوع وتعدد ليس جديداً بل متجذر ومتأصل في حياتنا, ومن هنا كانت الثقة كبيرة بأننا لن نشهد ما شهدناه...
وعلنا نختتم في النهاية بقوله:
شام مدّي جدائلك على قاسيون
غطي كل شيء في الكون.. ارقبي ربيع العمر.. رافقي اكتمال البدرا أيها الوطن المنزرع في لأعماقنا المتجذر في أرواحنا ككل الأوطان، كنت في منح أبنائك، وزدت فوق ذاك حبات من الجوز الأخضر, ورحيق قهوة لايشبه غيره تدلقهما ذات زمن في جوف أحبابك لتقول لهم: على هذا عيشوا ولهذا خلقتم ومن تلك اللحظة الخالدة في زمن مضى يتحرك أبناؤك عابدوك.. إن ضنت وإن قسوت وإن حضرت وكلهم أمل ذات لحظة أن تأتي منك عبارة الشوق ممهورة بقطرات مطر على تربة تمتد ما بين الربوة وميسلون معجونة بدم الشهداء ودموع العاشقين الذين ماعرفوا سواه طريقاً داخل الروح:
شام ياسيدتي
شام يا إلهاً سجدت على اعتابه
حاروا في أسمائك وأسبابها
تاهوا وتهت في مغاور الروح والجسد
ولكنك ياشام خرجت أقوى وأعظم
انتصار سليمان:
سأكتب أسطورة السوري المحب لأرضه
اعتقد بأن تأثيرات الأزمة السورية أثرت على جميع مناحي الحياة بما فيه الشأن الثقافي والإبداعي،لأنني أرى أن الأزمة قد تغلغلت في نفوس البعض وفعلت فعلها كما يبدو ذلك جلياً في الخطاب الثقافي الموجود حالياً فالآراء المختلفة ولو في قضية واضحة يثبت لنا أن هناك مشكلة ما يدعون للنقاش والحوار لبلورة الرؤيا حوله, فمن البديهي أننا جميعاً ضد الفساد والمفسدين ولكن الخلاف يدور على كيفية العلاج لنخرج من دائرة الاتهام لبعضنا كما لا أرى بالمسلمات ما يدعو للخلاف والنقاش حولها فالوطن هو المقدس الوحيد الذي لا يمكننا الخلاف حوله بمائه وسمائه وأرضه، هو ذلك المقدس الذي لا يمكن لأحد أياً كان أن يدعو لضرب وحدته وتمزيق أرضه أو الاستعانة بالخارج عليه والاستقواء بهم على بعضنا ووطننا.
أما تأثير ذلك علي من الناحية الإبداعية فقد تجلى بأسمى معانيه فهو الحامي والضامن والماضي والحاضر والمستقبل والعرض والشرف والقيمة العليا التي لا يمكن لي إلا الدفاع عنه بما أوتيت من قوة في الكلمة التي أتمنى أن تصل لكل سوري يعي أن ضياع الأوطان لا يمكن تعويضه فالمحبة السائدة بين الشعب السوري من أسرار قوته وعليه أعمل على نشر قيم المحبة والتسامح لتلتئم الجراح بين أهلنا كي نحافظ على هذه الأرض الطاهرة التي وجدت كي نعمرها لا لكي نهدم بنيانها العمراني والإنساني فإن كانت الكرة الأرضية برمزها الأممي الأكبر علينا أن نحافظ على سوريتنا أمنا التي ربتنا وأطعمتنا معاني الوفاء وان كنت ممن يكتب من الأشياء الضائعة والمفقودة والحنين إليها فإنني متفائلة حتى الآن ولا أرى أن سوريانا مفقودة حتى أرثيها أو أبحث عنها في خوابي الذاكرة فهي ما زالت وستبقى واقعاً معاشاً في دمي أعيشه مع كل نفس أستنشقه من هوائها..
أنا ممن يؤمن بالقول أن الدين ل الله والوطن للجميع.. وأعدكم أنني سأكتب عن أسطورة السوري المحب العاشق لأرضه والمحافظ على شرفه ومعتز بانتمائه وهذا ما يثبته السوري في كل يوم.
هنادة الحصري:
تعمقت في رصد المشكلات وطرح الحلول
مما لا شك فيه أن الأزمة السورية تركت أكثر من أثر على الذات المبدعة، لا يخلو من مثبطات الإشراق على كافة الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟ لقد تحول الواقع إلى واقع أشد قتامة فالازدواجية تطرح نفسها بقوة، فهناك عند البعض فصام بين ما يعلن وما يضمر، ما بين الشعارات المطروحة وبين ما يمارس على أرض الواقع وهذا يدل على عدم التصالح مع النفس أولاً ومع الواقع ثانياً، كذلك رفض الآخر والخوف من الاختلاف.
هو القلق مرض العصر وللأسف صفة من صفات الشخصية العربية بشكل عام.
إزاء هذا الوضع ينقسم المبدعون إلى نمطين: الأول يتمتعون بمنظومة وعي معرفية عالية وثقافة وموهبة رصدوا الأخطاء الكثيرة ووضعوا الإصبع على الجرح وهنا تكمن آلية الحل وبدايته. أما النوع الثاني فقد استسلم للواقع بضبابيته ومشكلاته وبقي في عطالة ذهنية لا يسمع ولا يعي ولا يجد مخرجا بل امتاز نتاجه بسوداوية قاتلة وهنا تكمن أزمتنا أزمة المثقف العربي أمام واقع متأزم خلقه لنا واقع عربي مشرذم وهو نتاج حكام عرب لاتعي حقوق شعوبها..
أما عني فما اعتدت أن أهزم أمام أي مشكلة بل هذا حثني على التعمق في رصد المشكلات الكثيرة المتراكمة وطرح الحلول لها بدلاً من التنظير فقط. أخيراً نحن بحاجة إلى صحوة معرفية ليعود العرب ويدخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، وهذا هو المنطق الطبيعي لحركة التاريخ.