تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بين اللعب والعبث.. شعرة..!!... جثة على الرصيف

مسرح
الثلاثاء 5-6-2012
هند بوظو

جثة مرمية على رصيف ما في مكان ما.. بأسنانها تتمسك بسيجارة ربما كانت متعتها وسلوتها الوحيدة في حياتها السابقة..!!

يلتصق الصديق المتسول أسامة تيناوي بجثة صديقه يصطك برداً وجوعاً لينسياه وحشة المكان وظلمته.. يحاول بكل قوته انتزاع المعطف من صديقه (الميت).‏

لا يأبه بحكمنا الأخلاقي عليه.. فأقسى ما يحتاجه الآن.. بعض من الدفء يغطي جسده شبه العاري، يتمتم.. يهمس.. يتلعثم.. يهسهس.. عبثاً نستطيع فهم ما يقول.. تطول الحالة.. ننتظر القادم.. ليأتي الشرطي (وسيم الرحبي)...‏

إلى حيزه المكاني الذي يحرسه بين صدمته برؤية الشيئين أمامه (الجثة والصديق) وارتباكه.. ماذا يفعل إذا حضر سيده ورأى ما يراه الآن كيف سيتملص من ورطته تلك.. يدخل في سباق مع الوقت.. يعارك الجثة.. يحاول جرها.. يطالب المتسول الآخر بالرحيل فوراً فالعقوبة ستنزل به.. بسخرية وبعض الإيماءات التي لم تكن لازمة كثيراً انتزعت منا ابتسامات.‏

فالموقف عصيب.. ولا نعلم أبداً كيف ستحل هذه المعضلة ويأتي الحل الغرائبي بدخول.. سيد طويل جداً.. بوجهه الجامد الصلب.. ليخفي غطاء.. يبدأ بمساومة الصديق لشراء الجثة منه بين الترغيب والترهيب يقرر الصديق التنازل للسيد عن جثة صديقه.. هي الخيانة إذاً أم جبروت السيد..؟!.. يدفعانه إلى أقصى ركن في الصالة ليتكور على نفسه مرمياً على الأرض.. خائباً.. منكسراً...!!.‏

ويحدث للشرطي نفس المصير يتكور على الجهة المقابلة مهزوماً.. مدحوراً!! كلاهما لا يريد أن يحمل وزر ما يحدث لهذا الكائن.. على يد السيد.. تتسلل الخناجر والسكاكين من أيديه لتبدأ حفلة التقطيع بخناجر تحمل كل منها يداً لا تشبه الأخرى لكنها تجتمع ما في عملية.. السلخ.. والذبح.‏

وكالعجيبة.. والمعجزة تخرج الجثة بكامل أجزائها ممسكة بأسنانها تلك السيجارة وتنهض لتستقر على حائط تستند عليه وتمارس فعل التدخين والتحدي..!!‏

هذه هي قصة / جثة على الرصيف/ التي كتبها سعد الله ونوس في بداياته والتي أخرجها وقدمها أسامة حلال على المسرح الصغير في دار الأوبرا لتفقد في هذا المكان حميمتها التي قدمتها فرقة كون بإدارة حلال عام 2007 في نفق للمشاة في دمشق.. فالمسرح الموقعي / الذهاب إلى المتلقي/ افتقد في هذا المكان أحد أركانه.. لأسباب عديدة /لا مجال لذكرها هنا/..‏

تحرر نص أسامة حلال من اللغة الفصحى وأبقى على الكلام الدارج لا يعني ذلك أن الحوار كان حاضراً.. على العكس.. النص اعتمد وسائله الفنية الخاصة من إيحاءات وترميزات تدركها كمتفرج منذ البداية.. من المكان المعتم لحد الظلام والبارد والذي يفتقد للإكسسوار (الديكور) إلا ما تيسر جزء من كينز (الرصيف) وتبقى الوسيلة الفنية الأكثر عمقاً.. تلك الفوانيس الكهربائية المعلقة على رؤوس أبطال العمل. والفوانيس التي يضعها عمال المناجم.. فهناك يختبئ عالم مظلم كاشفه الوحيد بصيص من ضوء منه يتسلل أصحاب المنجم إلى السطح وبغيابه يفقد كل شيء بما فيها حياته!!.‏

من البداية يترك النص الراهن .. المتفرج بحالة دهشة وترقب يحرك العقل ويطرح أسئلة لا تجد حلها إلا في ذهنك بشرط أن تشغل عقلك فلا بداية.. ولا نهاية .. ولا حبكة/ متوقعة أو مفاجئة/.. كل ما هو أمامك يدفع إلى التشويش.. لا حوار ولا صراع.. ولا صياح ولا صمت ولا فذلكات استعراضية تشي بما يحصل أو يحتمل حصوله.‏

الجثة وحدها (جلال الطويل) بعينيها المحدقتين بك الواخزتين المتربصتين الطارحتين عليك إشارات على شكل استفسار حيناً واستفزازاً أحياناً لتبقى دائماً تلوحان بالسؤال .. وماذا بعد..؟!!.‏

لا تنتظر جواباً.. من أحد.. لكنها بالتأكيد تحرضك وتملأك بالتساؤل والبحث عن موقف.. عن فعل..‏

أتقن جلال بحركاته الصامتة لحد الخرس ولا مفردة واحدة نطق بها خلال العرض دوره غير عابئ بالسوداوية التي تحيط بك كمتلق متماسك رغم ما يحيط بهذه الجثة من ظلم وغدر ساخراً من سيد يحمل في يده وسائل موته.. ليبعث من جديد بموقف عبثي لم ندر معه هل انتهى العمل المسرحي .. أم لا.. وبقينا وقتاً بانتظار شيء ما ينبئنا بالخاتمة..‏

تركنا ونحن نترقب ما يمكن أن يحدث ، طارحاً وبتهكم واضح.. موقفاً ما.. أخلاقياً.. إنسانياً.. الجثة تتفرج علينا ونحن نتلفت حولنا.. هل انتهى العرض.. ما الذي دفع الجثة للحياة من جديد؟!!.‏

في هذا العرض بوادر تشي بحركة مسرحية جديدة .. بلعب مسرحي من نوع لايدعك تسترخي أو تستريح/فرقة كون/ ومنذ تأسيسها جعلت المسرح (لعبة) نتبادل فيها الأدوار..‏

نحن فيها كمتلقين.. متوثبون، متملمون، نبحث.. نفكر.. نسأل.. مسرح يعيد الاعتبار للمونولوج الداخلي للمتفرج بشكله الأكثر تطوراً..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية