تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


علامات على الموقف في اللحظة المحتدمة

شؤون سياسية
الأربعاء 6-6-2012
بقلم: د. أحمد الحاج علي

( لن أتخلى عنها) هذه مقولة تاريخية قلما نعثر عليها في تاريخ العالم المعاصر, أطلقها بعمق وهدوء معهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقبلها بأيام معدودات فاجأ رئيس مجلس الدولة الصيني كوفي أنان المبعوث الدولي إلى سورية بقوله..

عليك أن تدرك بأن سورية هي جزء من الأمن الوطني للصين، لقد تجاهل الإعلام العالمي حتى هذه اللحظة وفي ركابه الإعلام العربي هذه القاعدة المستقرة التي ارتقت فوق المصالح المادية ولم تتجاوزها بالتأكيد ومن المؤسف أن اتجاهات كثيرة في الإعلام العربي ومنها بعض لمحات في الإعلام السوري مازالت تقع في خطأ المنظومة الكبرى حينما تنسب الموقف الروسي والصيني لنسق المصالح المادية ولاسيما التجارية منها دون أخذ هذه المصالح إلى بواعثها أولاً وحاضنتها الحضارية ثانياً.‏

ولم يرد أحد على هذه النزعة المشؤومة الذي تولى الرد على ذلك بسلاسة هو بوتين ورئيس مجلس الدولة الصيني وكلاهما أنجز مهمة غير مألوفة رغم عمقها وأصالتها في التداول السياسي والإعلامي, وهذا درس مهم لنا قبل غيرنا ولإعلامنا قبل الإعلام العالمي, إن سورية من حيث المعنى والمبنى ومن حيث الموقع والموقف ومن حيث الحدث الخطير الدائر فيها وعليها هي عند هذين الكبيرين الروسي والصيني وطن قبل أي اعتبار وفوق أي اعتبار وهي كذلك قوة حضارية وقد صارت من الأرقام الأولى على مستوى العالم من خلال دورها في ذاتها وفي المنطقة وعلى الساحة البشرية كلها.‏

والانتساب للوطن هو شرف لايعلو عليه شرف وبهذا المعيار نقيس تطبيقات المؤامرة الكبرى بازدحام القوى ووحدة الإرادات المنخورة وهي تخطط وتنفذ لأخطر مشروع في التاريخ المعاصر على مستوى العالم كله حيث المطلوب إسقاط سورية الوطن وتدمير الأمن الوطني والقومي لسورية ولايوجد أشرف من بوتين وأكثر رزانة حينما أعطى المنظور المذهل بأن سورية هي وطن له ولايوجد أعمق من فكرة وطيدة حينما أطلق رئيس مجلس الدولة الصيني قيمته في قمة وعيه وهو يعرف الاصطفاف العالمي كله بأن سورية بأمنها الوطني هي جزء من الأمن الوطني للصين الشعبية.‏

ولقد نستمد من هذه المواقف بعضاً من أوجه القياس والمعايرة لنكتشف بأن الوطن والأمن الوطني معاً يجب أن يكونا بحوزة الشرفاء وتحت مسؤولية من يعرف عمق بناء الوطن وضرورات الحفاظ على أمنه الشامل، لعلنا نلمح الآن قواعد مهمة تتجذر وتتوطد وهي مطروحة علينا جميعاً ومنها أن الوطن السوري في هذه اللحظة صار معادل العالم كله وبقي عليه أن يعادل ذاته ومنها أن الاصطفاف في الصراع النهائي بموجب حيثيات الحدث القائم هي قصة الحضارة وقصة الثقافة وقصة القيم ولذا مازال صموئيل هنتغتون صاحب نظرية صراع الحضارات يضخ أفكاره وفي صلبها أن العلاقة بين الإسلام والغرب هي مسيرة تاريخ أساسها صدام بينهما يقوم على فكرة القتل والإقصاء من قبل كل منهما للآخر، وقد أسس هذا المفكر الخطير لنسق متكامل من القيم الفكرية التي تجذر بالأساس قواعد ومنطلقات العمل السياسي والعسكري والاقتصادي عبر تعامل الأمم والشعوب فيما بينها.‏

وهنا برزت طروحات المفكر الصهيوني الفرنسي برنارد لويس ومن المفيد التأكيد بأن كل التطبيقات القائمة الآن في الصراعات التي تحكم العالم ومن ضمنها ما يجري في سورية، إنما ينتمي ذلك كله للفكر النظري والفلسفي لهذا المفكر الصهيوني وهو بصورة عامة يذهب إلى وصف العلاقة بين الإسلام والغرب بأنها مزاج وفاعليات تتجاوز بكثير مستوى القضايا والسياسيات والحكومات التي تتعامل فيها وبأنه لاأقل من صدام حضاري بين الإسلام والغرب وقد يكون هذا التنبؤ كما يقول غير عقلاني ولكنه تاريخي بالتأكيد ويطلق لويس هذه القاعدة التي تؤكد بأن الإسلام هو خصم قديم لتراثنا اليهودي والمسيحي ولحاضرنا العلماني وهو يعيق توسع القيم الغربية على المستوى العالمي.‏

وبقليل من المتابعة وكثير من التعمق نستطيع أن نؤمن مستوى من الاستطلاع الموضوعي لما يجري الآن يردفه مستوى أكثر تعمقاً يقوم على أساس المعنى القصدي والإرادي المخطط والذي مازال يحكم الحدث السوري بكل آماده الكونية وآلامه التي يعجز أي شعب عن تحملها ولاسيما أنها نتاج الفكر المشوه والنظريات المزورة ومرتسمات ذلك في المناهج الإعلامية والسياسية ومتطلبات ذلك في ضرورة الاعتماد على وسيلتين هما المال الحرام والمجموعات الإسلامية المتطرفة.‏

ومن الواضح بأن الأبعاد الكامنة في عمق الحدث السوري إنما تندفع وتتدافع في ثلاثة، في البعد الأول يقبع المستوى التأسيسي من خلال هذه الفلسفة وهذه النظريات التي أطلقها هنتغتون ولويس وغيرهما على أساس أن الكون المعاصر هو ميدان للصراع بين الحضارات ومساحة جغرافية وبشرية لإقصاء العالم كله مالم يلتحق بطريقة الإذعان في منسوب الحضارة الغربية القائمة، وفي البعد الثاني نرى هذا الإلحاح على ضرورة خلق الوظيفة المحددة لكيانات بقصد استثمار مواردها وفاعلياتها لإحداث هذا الانقلاب القسري في تاريخ هذا العالم المعاصر وهنا تبرز الكيانات الهشة والمتضخمة مثل قطر والسعودية والكيانات ذات الانحراف الحضاري والمصابة بشيزوفرينا سياسية مثل حكومة أردوغان وأوغلو، لابد إذاً من المساحة ولابد من الأدوات المساعدة، وفي البعد الثالث تأتي أهمية اختيار المواقع البشرية والجغرافية التي لابد من تحويلها إلى بيئات لهذا الصراع القادم على جناحي العنصرية والعنف، وهنا وقع الاختيار على سورية لأسباب موضوعية بالنسبة لهم.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية