تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الدراما السورية تحت مجهر النقد الفكري

كتب
الأربعاء 6-6-2012
يمن سليمان عباس

يبدو أن ثقافتنا العامة لم تعد تستقي روافدها ومعانيها من إبداع واحد وهذا ضروري لكنها لم تحسن اختيار الروافد صحيح أنها تعددت ولكن هذا التعدد انكفأ أخيراً ليقتصر على فن واحد وإبداع واحد هو الدراما وغدت شاشات التلفزة مصدر الثقافة عند الكثيرين، فماذا عن مضمون هذه الثقافة؟ وماذا تقدم؟

وهل وصلت إلى الطموح؟... وهل يجب البقاء عندها كمصدر للثقافة والمتابعة؟ وإلى أين سيقود هذا الاتجاه؟!...‏

أسئلة كثيرة تتبادر إلى ذهن المتابع وثمة من حاول الإجابة عليها في دراسة نقدية مهمة صدرت عن دار التكوين بدمشق ضمن كتاب حمل عنوان( الخطاب الفكري في الدراما السورية منذ البدايات وحتى عام 2011) لمؤلفه الدكتور نزار إبراهيم.‏

لماذا هذه الدراسة؟‏

في الوقت الذي تجهد فيه دور النشر ومعارض الكتب لتسويق أو ترويج كتاب مهما بلغ من الروعة والأهمية والقيمة العالية أو رواية مهما علت قيمتها الأدبية والفكرية والفنية أو قيمة وشهرة كاتبها أو مؤلفها، أو أي عمل شعري لأي اسم شعري كان قديماً أو حديثاً أو معاصراً قافية أو تفعيلة أو نثراً ليتم توصيله أو توزيعه لألف أو ألفي قارئ، وهذا يحتاج أيضاً لزمن قد يطول إلى سنوات ولمعارض ومعارض ومعارض، بينما يستطيع أي عمل درامي تلفزيوني أن يوصل ما يشاء إلى الملايين وبمنتهى السهولة والبساطة واليسر، لا بل ورغماً عن أنوف المشاهدين أو المتلقين أحياناً، وبهذا المعنى فإن كاتب أو مؤلف الدراما السورية التلفزيونية تبسط وتفتح له شاشات ومحطات وبالتالي عقول الملايين ليفعل ما يفعل وهنا الخطورة، فهو بالمحصلة فرد.‏

وفرد غير محايد له خلفياته الفكرية والسياسية والأيديولوجية، بل وله ارتباطاته وانتماءاته العقائدية أو الحزبية أو الطائفية أو المذهبية أو العشائرية أو المناطقية أو المالية وقد يكون له مرجعياته من انتماءات وتوجهات وارتباطات وغايات متنوعة ومختلفة وللدراما سحرها وجاذبيتها وخصوصيتها في التأثير المباشر على المنظومة القيمية: الأخلاقية والتربوية، والوطنية،وبالتالي على مجمل أنماط التفكير والسلوك ولاسيما في أعمار وأجيال معينة، وعليه تطرح إشكالية كبرى في هذا النوع الخطير والمهم من النشاط الثقافي الاجتماعي، هل يترك الكاتب والجهة الانتاجية على سجيتهما ويطلق لهما العنان؟ أم يجب أن يكون هناك ضبط وتأطير وتوجيه؟‏

ميزات الدراما التلفزيونية‏

- الدراما التلفزيونية وسيلة اتصال وتواصل جماهيرية سهلة ومريحة لا تتطلب بذل الجهد والعناء من المتلقي، بل تأتيه من أفضل وأسهل الطرق من حيث الشكل والوقت والحالة.‏

- إن الحامل الفني للأفكار(تكنيك العمل) يسهل وصول مضامين العمل ومقولاته أي أفكاره أو ما يرمي إليه إلى عقل ومزاج المشاهد، ولهذا يتم دائماً تطوير أدوات العمل الفني، وتكنيكه ليس من أجل التطوير فقط، بل للتنافس والتسابق في كيفية إيصال أفكار ومضامين ومقولات العمل الفني بأكثر الوسائل تشويقاً وإمتاعاً وإثارة وراحة للمتفرج أي المتلقي.‏

إن هذا النوع من النشاط الفني الثقافي يتيح الاستسهال في الإعادة والتكرار من قبل المتلقي، حيث يمكنه أن يشاهد العمل الدرامي التلفزيوني مرة أكثر ليس دون جهد أو عناء فقط بل باستمتاع واسترخاء، بينما يتطلب قراءة كتاب أو رواية أو حتى مقالة صحفية بعضاً أو كثيراً من التركيز والجهد الذهني وحتى الجسدي، وإن التطوير في التكنيك الفني ما هو إلا للوصول إلى المزيد من الاستسهال والإثارة.‏

- إن الارتفاع المهول لنسب الأمية في المجتمعات العربية التي تتراوح ما بين 60 إلى 90٪ .‏

هذا بالإضافة إلى أنصاف الأميين وأشباه الأميين، يجعل من التلفزيون ومن الدراما التلفزيونية واحدة من أهم وسائط الاتصال والتواصل الفكري الجماهيري وهي الوسيلة الأنجع لمخاطبة الناس على قدر عقولهم.‏

- إن العقلية المجتمعية للإنسان العربي تحب وتهوى الحكاية وتتشوق إليها وتستند بها فالحكاية والحكواتي والراوي جزء مهم من طقوسنا.‏

فالحكواتي جزء من مكونات المضافة العربية ومكانته مهمة في مجتمع القبيلة والعشيرة، كذلك لا تكاد تخلو قرية من ساحة يجتمع فيها أهل القرية يتبادلون القصص والسوالف لأحداث يومهم وأحداث الأيام الخوالي، وقصص الآباء والأجداد وقصص الناس ، ودائماً من يتميز ويشتهر بقدراته على سرد الحكاية وروايتها.‏

تحليل ونتائج‏

عبر مئة وخمسين صفحة وضمن قسمين يقدم المؤلف معالجات تحليلية لعدة مسلسلات درامية بدءاً من باب الحارة الجزء الأول إلى الخامس ثم رجال العز والزعيم والولادة من الخاصرة وصبايا وأبو جانتي وصايعين وضايعين، وقبل ذلك بحقب الدراما حتى عام 2011 وعبر موضوعات تتوقف عند عناوين التحول من الثقافي إلى السلعي والنهوض الوطني والقومي، ويقف عند الدراما منذ اتفاقية كامب ديفيد حتى أحداث أيلول 2011، وإذا كان من الصعوبة بمكان أن نقف عند معظم ما قدمه من تحليل فإننا نتجاوز ذلك إلى خلاصة ما وصل إليه ونقتطف مما قاله.‏

احذروه:‏

يتساءل المؤلف في النهاية: هل صورتنا وسوقتنا درامانا الأخيرة التي قدمت نماذج عنها بصدق وحيادية وموضوعية؟‏

وأنا أعلم جيداً وبكل تأكيد أن من مهمات الفن وخصوصاً الفن الاجتماعي ومن أهمه الدراما التقاط المناطق السوداء في الحياة والمعتمة وتسليط الضوء عليها لكنها أيضاً الدراما حياة بكل ألوان وأشكال هذه الحياة، فعلى سبيل المثال كنت أتمنى أن أرى حواراً ما بضع جمل على الأقل تمر بمشهد ما لوالد يحمد ربه على نعمة هذه المدارس المجانية.... كنت أتمنى لو أسمع حواراً بسيطاً من بضع كلمات في مشهد ما لممثل يقف عند سد من سدودنا العظيمة والكثيرة.‏

كنت أتمنى أن أسمع حواراً بسيطاً لممثل في مشفى ما عام يحمد الله على الخدمة المجانية التي قدمت له، كنت أتمنى لو سمعت يوما ما كلمة في عمل درامي تثني على غابات الليمون والحمضيات في الساحل السوري، أو عن أشجار الفستق الحلبي والزيتون الممتد من حماة إلى حلب، كنت أتمنى وأتمنى وأتمنى.‏

‏

الكتاب: الخطاب الفكري في الدراما السورية - المؤلف: د. نزار إبراهيم - الناشر: دار التكوين- دمشق‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية