في النصف الأول من العقد الأول من هذا القرن كنت في البيت الذي استأجره في القاهرة ، ويقع في شارع الجامعة العربية في الجيزة ، وعندما خرجت لأبتاع صحفي وأجلس في مقهاي القريب رأيت صديقاً فسلمت عليه ، وسرنا معاً بضع خطوات وإذا به يقول لي انظر هذا الملحن الشهير صلاح الشرنوبي ، تأملته فوجدته أقرب إلى الوسامة منه إلى عدمها ، وعليه علامات ذكاء ، فرغبت في أن أحدثه لكنني لم أستطع لأنه مشى في الطريق المخصصة للمشاة ، وابتعد عني ، وهكذا عرفته ولم أعرفه .
وعندما علمت أنه اختطف هو وأحد زملائه الفنانين ، قبل مدة قصيرة ، تراءى لي يوم شاهدته في شارع جامعة الدول العربية ، والواقع أنني حزنت أن يختطف فنان بعد منتصف الليل من قبل عصابة ملثمة ، تقودها مطربة جديدة .
أعتقد أنه حادث اختطاف أول لفنان مهم ، منذ كانت لفن في مصر هذه الضجة التي بدأت في أواخر القرن التاسع عشر ، وتعززت بظهور السينما المصرية ، وارتقاء فن التلحين الذي يعمل فيه جيش من الفنانين ، كان من بينهم صلاح الشرنوبي ، الذي لم يتعلم الموسيقا في معهد عالٍ بل تعلم العزف على آلتي العود والكمان بجهد شخصي وبالموهبة وحدها ، وقفز من العزف إلى مهنة التلحين فكان أول لحن مغنى له ما غنته وردة ذات يوم (بتونس بيك) ، وهي الأغنية التي جعلته يقفز من ملحن مجهول إلى ملحن كبير معترف به كواحد من العباقرة ، المصريين الملحنين .
كان صلاح الشرنوبي مهندس ميكانيك وعلى الرغم من أنه عمل في هذه المهنة ، إلا أن هوايته قادته إلى ميدان آخر لا بد أنه أحبه وهجر مهنته من أجله ، والطريق أن زعيمة العصابة هي مطربة جديدة كلفته بتلحين أغنية لها ، لكنها كانت تضمر أن تحصل من حادثة الاختطاف على مليوني جنيه من صلاح الشرنوبي ومليونين آخرين عن الفنان الذي كان معه ساعة الاختطاف بعد منتصف الليل .