الحيادية..الموضوعية واحترام الرأي هو ما تعلمته على مقاعد الدراسة في كلية الإعلام والذي لا أرى له أثرا على أرض واقع الكثير من الفضائيات العربية التي خلعت ثوب الإعلام واتخذت لها موقعا على خارطة التآمر على الشعوب !!
فالإعلامي هناك لم يعد المحاور أو صاحب رسالة يود إيصالها إلى المشاهد من خلال المعنيين بالموضوع بل أصبح طرفا ينازع و يصرخ و يكاد يقاتل ضد طرف أخر ...ليتحول البرنامج من مرآة تعكس واقعا إلى حلبة مصارعة البقاء فيها لمن يكذب و يصرخ ويرضي المتربعين على عروش تلك القنوات.
(الاتجاه المعاكس).. إحدى حلبات الصراع الأكثر بروزاً على تلك القنوات التي أدرجت نفسها في خانة الإعلام وهو منها براء !
يدعي الحوار ..والمشاهد لا يرى فيه سوى معمعة و صراخا وشتائم فيظن انه أمام خناقة لأحد الجيران ليخرج من تلك الحلبة دون أن يعلم ما جرى و ما حصل سوى اثنان يكادان يتضاربان وبينهما حكم يحتدم مع طرف ضد أخر.
المتابع لتلك الحلبة يعرف أنها تقوم على جمع رأيين مختلفين حول قضية معينة ليرى انه نسي قضايا العالم بأسره و أصبحت قضيته تأجيج الحقد على الدم السوري .
ويبدو أن مقدم الاتجاه المعاكس قد خلع عن نفسه صفة المحاور الذي يريد أن يمنح المعلومة من كل الأطراف وقرر أن يخوض الصراع الحواري بنفسه لنراه ينفعل..ويتلون.. ويشعل نيران الصراخ الحواري لندخل في معمعة مشحونة بالغضب والتوتر تتعالى فيها أصوات الضيوف لتلحقها الأيادي دون أن نفهم أو نعي أي شيء سوى أعصابنا التي بدأت تشتعل داخلنا.
فما يكاد الضيف (البغيض)للقناة و أصحابها لأنه ينقل واقعا معاشا يرفضون الاعتراف به حتى ينزل المحاور إلى ارض المعركة بمداخلاته و مقاطعاته و لا يعي المشاهد ما يقوله الضيف وما إن يبدأ الطرف الأخر ينفث عبارات وجملاً يرضي بها أهواء المحطة حتى يخيم الهدوء و السلام عليه.
هذا ما حصل في إحدى حلقاته التي تعد نموذجا للبرنامج ككل استضاف خلالها معد محمد محلل سياسي لكنه في تلك الحلقة خرج عن طور الحوار و التحليل السياسي ودخل في ضوضاء البرنامج ..لأنه لم يستطع أن يعبر عن رأيه إلا بطريقته العجيبة لهذا البرنامج الغريب...فما يكاد أن يطرح وقائع تجري على الأرض ويلامسها كل مواطن معني بالأمر..ويقدم وثائق تدين أصحاب المعالي ممن جعلتهم أموالهم ملوكا ينثرون أموالهم على هذه الفضائيات على مبدأ(تي رش رش) حتى يثور المحاور طارحا اختلاقات أخرى تحت مسميات عديدة منها (هذه معلومات ليست من عندي..أو هكذا يقولون) ليبدأ المضاد الأخر يسرح ويمرح في الوقت المتاح له بقناعاته الموجودة على كوكب المريخ ولا صلة لها بالواقع السوري ..هذا ليس انحيازا بل واقعا حواريا مضللا نشهده للأسف !!!
فإن تركنا جانبا قواعد البرامج الحوارية التي تغنينا بها على مدرجات الجامعة والأخلاق المهنية كأول وصية عندما نقتحم عالم العمل في اختصاصنا ...لابد أن يبقى الضمير في الرسالة التي نقدمها ...وهذا إن مات أو دخل في غيبوبة فعلى الإعلام.... السلام.