تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


اليابـــــان... براعة التغيير في مواجهة الأميركيين

شؤون سياسية
الأربعاء 11-11-2009م
أكرم الكسيح

من الطبيعي والبديهي أن يحدث تغيير في البلدان التي تتبنى العملية الديمقراطية فيكون الاحتكام إلى صناديق الاقتراع لمعرفة توجه الرأي العام في المرحلة القادمة هو الفيصل للحكم على برنامج هذا الحزب أوذاك ومدى قربه من ملامسة هموم مواطني هذا البلد وتحقيق تطلعاتهم، فتخسر أحزاب وتفوز أخرى بناء على ذلك.

والأميركيون متخوفون من التغيير الحاصل في اليابان لمعرفتهم بالذاكرة اليابانية وأنه من الصعب عليها النسيان وخاصة فيما يتعلق بتصرفات الجنود الأميركيين وحوادث الاغتصاب المتكررة ،ومنها على سبيل المثال لا الحصر جريمتا اغتصاب قاصرات يابانيات على يد جنود من قوات المارينز المتمركزة في شباط الماضي، وكذلك اعتقال شرطة أوكيناوا جندياً من المارينز للاشتباه في اغتصابه تلميذة عمرها 14 عاماً، وكذلك مأساة مماثلة عام 1995 حينما أدين ثلاثة جنود أميركيين بحوادث اغتصاب يابانيات واندلعت إثرها موجة احتجاجات واسعة ضد التحالف مع الولايات المتحدة، ووقتها حذر رئيس الوزراء الياباني آنذاك شيجرواشيبا، واشنطن بالقول: سيكون لذلك أثر كبير على العلاقات الأميركية- اليابانية المستقبلية، ووصل الأمر إلى حد مطالبة رئيس مجلس مدينة ناها عاصمة مقاطعة أوكيناوا الحكومة اليابانية بإعادة النظر في علاقاتها بالولايات المتحدة، يذكر أن الاتفاقات العسكرية الموقعة بين البلدين تعطي الحق للحكومة الأميركية بالتحفظ على العناصر العاملة المشتبه في تورطها بجرائم أثناء الخدمة ورفض تسليم أي منهم للسلطات اليابانية.‏

والممارسات الأميركية الخاطئة في اليابان أكثر من أن تعد أو تحصى، فمعروف عن الولايات المتحدة أنها تقيم وزناً لمصالح حلفائها عندما يتعلق الأمر بمصالحها هي، فالضغط الذي مارسته إدارة بوش الابن كان أكبر من أن يتحمله العقل الياباني ووصل إلى حد الطلب من الحكومة اليابانية السابقة بتغيير دستورها لإرسال قوات يابانية تؤازر وتساند القوات الأميركية في حروبها العبثية في العراق وأفغانستان ورضخت الحكومة اليابانية وأرسلت ألف جندي إلى العراق وتمركزوا في السماوة للقيام بعمليات لوجستية مساندة للقوات الأميركية، وفي حرب أفغانستان تقوم اليابان بإعادة تعبئة السفن البحرية الأميركية بالوقود في المحيط الهندي.‏

التغيير الجديد في اليابان والخوف من تداعياته المستقبلية هو مادفع بمسؤول في الإدارة الأميركية إلى القول: الملف الأصعب اليوم ليس الصين بل اليابان بالنسبة لإدارة أوباما «لهذا اختارت إدارة أوباما صديقاً عزيزاً على اليابانيين هو البروفيسور جوزيف ناي (استاذ في جامعة هارفارد) ليكون السفير الأميركي الجديد في اليابان وهو صاحب كتاب «القوة الناعمة وسيلة للنجاح في السياسات الدولية» والقوة الناعمة بنظره هي قوة الثقافة والقيم والأفكار لأنها أكثر قدرة على التأثير في الآخرين، ونظريته في آسيا تقوم على ضرورة حماية العلاقات الأميركية- اليابانية، ودعوة الصين للمشاركة على الطاولة نفسها لتكون قوة مسؤولة في المنطقة ومبرره ،«بذلك نمنع الصين من فرصة أن تحول اليابان إلى عدو ضدنا».‏

أما الحكومة اليابانية الجديدة فقد صدرت عنها مؤشرات عديدة توحي بتغيير ما في السياسة، لكن هذا التغيير للوقائع والمعطيات القادمة تحكم على مدى حجمه وقدرة هذه الحكومة على الافلات من قبضة الحليف الأقوى لها وهوالولايات المتحدة وكيفية معالجة الإرث الثقيل الموروث من الحرب العالمية الثانية وتراكمات العقود الستة الماضية.‏

فرئيس الوزراء الياباني وأركان حكومته يدركون أن الاتفاقية الأمنية التاريخية مع الولايات المتحدة غيرقابلة للمس والتغيير، أقله في الوقت الحالي، لكن تصريح زعيم الحزب الديمقراطي الفائز في الانتخابات بتطلعه لزيادة استقلالية اليابان عن الولايات المتحدة أقلق الإدارة الأميركية في واشنطن، رغم تلطيف وزير الدفاع الياباني يتشيروا وسو للأجواء بقوله: فوز حزبنا برئاسة الحكومة سيقرب بين البلدين، والعلاقة بين بلاده وواشنطن هي أهم علاقة بين بلدين في العالم.‏

إلا أن القادة اليابانيون يريدون علاقة تستطيع فيها الحكومة اليابانية أن تقول بل أن تقول فعلاً في بعض الأحيان «لا» لحليفتها.‏

وكذلك ما أقلق الإدارة الأميركية تصريح ياباني حول رفض اليابان تغطية تكاليف نقل القاعدة الأميركية من جزيرة أوكيناوا اليابانية إلى جزيرة غوام الأميركية حيث قال وزير ياباني: «إذا أرادت الولايات المتحدة أن تدفع تكلفة النقل من جيبها فليس لنا شأن بذلك، ولكن إذا طلبت منا الدفع من أموال دافعي الضرائب فذلك بالتأكيد سيكون من شأننا».‏

ولكن أكثر الإشارات دلالة على التغيير الياباني، وخاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة هي التي جاءت على لسان وزير خارجية اليابان كاتسويا اوكادا في معرض رده على وزير الدفاع الأميركي حيث قال: إن اليابان دولة ديمقراطية تحترم إرادة الشعب، ولن نقبل ماتقوله الولايات المتحدة لمجرد أنها الولايات المتحدة، وهذا يأتي ترجمة لما تعهد به رئيس الوزراء الياباني يوكيو هاتوياما خلال حملته الانتخابية حيث تعهد بإقامة علاقات الند للند مع واشنطن.‏

المحلل السياسي فيورومويتان مؤلف كتاب: «شفاء اليابان من تبعيتها لأميركا» قال: إنها المرة الأولى التي تتمرد فيها اليابان على الولايات المتحدة منذ عدة عقود، لكنه حذر من أن أميركا إذا وجدت ضعفاً في الحكومة اليابانية فستكون أكثر شراسة في فرض مطالبها.‏

أطنان من المشكلات والعقد تواجه الحكومة اليابانية الجديدة وبالأخص مع حليفتها واشنطن وبوجود عملاق يجثم بقربها هو الصين وتطلعات جارتها كوريا الشمالية العسكرية، فهل يدير اليابانيون معركتهم في التغيير بالبراعة التي يديرون بها حروبهم التكنولوجية المتطورة والتي تغذي عقول ناشئتهم من خلال الألعاب القتالية التي يوفرونها لهم هذا ماستفرزه الوقائع في الأشهر أو السنوات القليلة القادمة؟!.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية