تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هل انتهى التاريخ.. وجاءت لحظة الزمن الأخيرة؟

كتب
الأربعاء 11-11-2009م
أنور محمد

نادرة هي الكتابات عن فلسفة المفكِّرَيْن الفرنسيين المخضرمين ألكسندر كوجيف 1902-1968 وإريك فايل 1904-1977 في الوطن العربي كما يقول د- محمد الشيخ الكاتب والباحث المغربي.

أكثر من هذا خاملٌ هو ذكرهما بين النظَّار وفاشٍ هوالجهل أو التغافل عن اسميهما, مع أنَّهما أسَّسا لأحدِ أعمق تيارات الفكر الهيغلي بأوروبا, والذي يسمُه الباحثون الأمريكيون بوسم«الهيغلية الفرنسية», إذ لايكاد الباحث العربي يعثر لهما عن إشارة أو إلماعة في ما تخرجه المكتبات العربية من التصانيف الفلسفية التعريبية والتقريبية المختلفة المشارب المتباينة المنازع.‏

لقد أعاد هذين المفكِّرين بناء فكر هيغل بناء نسقياً من بسائط مفاهيم أنثربولجيته, وقاما في إدارة مجمل أنظار هيغل في الحداثة على مفهوم واحد ووحيد هو مفهوم (الرضا) , كما ذهبا بأنظار هيغل في أمر(الحداثة) مذهبا قصياً فنافسهما فيه أحد من شرَّاحه الكثر ومفسرِّيه. أي ذهبا إلى حد البلوغ بالموضعين المشكلين الناجمين عن قول هيغل بمبدأي (اكتمال الحداثة) – دعوى «نهاية التاريخ» ودعوى» نهاية الفلسفة» إلى غايتهما النهائية . هذا «كوجيف» كان المفكِّر الذي تجرَّأ أكثر من سواه على الإعلان غريب الإعلان (انتهى التاريخ) . وعلى تبني مشكل القول: إنَّ عالم ما بعد الثورة هو آخر عالم خلقه الإنسان. وما تردَّدَ هو التردُّد في إعلان(اكتمال التاريخ). و (نهاية الأزمنة) و ( توقف التاريخ) ومجيء( لحظة الزمن الأخيرة) . بل إنهما تميَّزا عن فكر هيغل من حيث إنَّ ما طرح إمكان الاعتراض على الحداثة والتمرد عليها, بله الثورة على الحداثة, وحتى إن هو لاحظ أنَّ من عيوب الحداثة تجدُّد مشكلة الفقر الناتجة عن تدافع أنانيات المجتمع المدني, وبقاء بعض الدول بمعزل عن حركة التحديث في زمن الحداثة, والتعارض القائم بين مبدأ (الديمقراطية العدد) ومبدأ(حكمة الصفوة) . إلا أنه لامحالة انتهى إلى حزب من النزعة العقلانية التفاؤلية المؤمنة بأنَّ الحداثة قادرة على تجاوز (مناقضاتها) و (مفارقاتها), وأنَّ بقية الدول التي تحيا خارج التاريخ لامحالة لاحقة بهذه الحركة الكونية العتيدة. إنَّ فكر هيغل لن يكون قادراً على التفكير في (ما بعد فكر هيغل) أو في (ما بعد الحداثة), وذلك على اعتبار أن فكر هيغل نظرَ في الحداثة وانتصاراتها. أما كوجيف وفايل فإنَّ مكمنَ جِدَّتِهما-جديدهما- متأتٍّ من أنَّهما فكرَّا في (مآل الحداثة) على عهد مابعد هيغل, ونظرا في أنحاء(التمرد) عليها واعتبرا بردود الفعل العنيفة ضدها.‏

د- محمد الشيخ بعد ذلك يتساءل: ما معنى نهاية التاريخ هذه الدعوى الفاشية بين كبار المثقفين الهيغليين خاصة, عند كل من كوجيف وفايل, لاسيما وأنَّ نهاية التاريخ يمرُّ عليها قيام منطق الفلسفة بما أن منطق الشيء لا يدرك إلا عند متمِّمه وآخره. إلا أن نهاية التاريخ هنا هي نهاية التاريخ كما رسمه المنطق, أي بما هو تاريخ تصارع الاتساق(العقل) واللااتساق(العنف) . وهو تاريخ لم ينته بتهميش العنف وكبته, أو قل: بانتصار العقل النصر النهائي الحاسم الذي يقذف بالملزوم إلى قوَّة سحيقة, وإنما هو اختتم بتفهم ثنائية(العقل والعنف) , وتفهم رهان الإنسان وخياره العقلي, وتفهُّم هذا المنسي المكبوت الذي هو العنف, أي النظر إلى العنف في خلوصه, وتخلي العقل عن الرغبة الدفينة في تملكه وضمه واستيعابه, وتفهُّم أن إرادة الاتساق إذا ما نظر إليها في ذاتها, كانت في البدء إرادة عنيفة, أي إرادة حرَّة غير مبررة. لكنَّها الإرادة التي شكَّلت مركز العالم الذي اتخذ فيه قرار التعقل, والحال أن هذه الإرادة بلغت الآن منتهاها, وذلك بسيطرة الإنسان على العنف الخارجي(عنف الطبيعة) السيطرة المبدئية التي بدأ العمل بها منذ أيام (الشرط) وسيطرته على العنف الإنسي(عنف الإنسان ضد الإنسان) السيطرة التي تحقَّقت له منذ اعتراف الفرد بالأفراد الآخرين في إطار دولة الحق الحديثة. بهذا المعنى, يمكن القول: إنه من الناحية المبدئية انتهى التاريخ, وانتهى القول الفلسفي, ما دام أنه لم يتم, ولن يتم أبداً, إلغاء العنف من الواقع. فما زال بإمكان الناس وهذا خيار أصلي, مثله مثل خيار العقل أن يلجؤوا إلى العنف من جديد, وما زال يمكن نسيان قرار الاتساق والتعقل. لكن لما هي كانت عناية منطق الفلسفة انصبت على الخيار الأوَّل خيار العقل والقول والتفلسف فإنَّ التاريخ انتهى, أي التاريخ كما رسمه هو.‏

وبالجملة, ها نحن صرنا الآن نحيا في أحد تخوم التاريخ, بين تقليد التاريخ وآفاق هجره, أي أننا صرنا نحيا على عهد(ما بعد التاريخ). وهذا مايفسِّر هذا الأفق البيني والانتظاري الذي صرنا نحياه بين قولٍ بنهاية التاريخ لم يتحقَّق بعد, وقولٍ تاريخي ما زال يسمح للأفراد بالتوجه وفق مقتضياته- أي وفق طموحه في تحقيق الحرية العاقلة والعاقلية الحرَّة. فهل لأفقنا من أمد؟.‏

الناشر:الشبكة العربية للأبحاث/بيروت 2008.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية