تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مطبخ فاخر للقتل!

كل أربعاء
الأربعاء 11-11-2009م
سهيل إبراهيم

كل شـيء في حـيـاة العـرب هذه الأيام معلق على خشـبة الانتظار ،

انسـداد في الأفق يغلق الطرق نحو الأمل ، بعد أن صارت أحلامنا منذ زمن طويل ترفاً لا سبيل لنا إليه، لا حلول للعُقد المستعصية منذ عقود ، و لا فـرصـة للوهم كي يخترع الحقائق التي تلمس باليد ، و لا مـطـر في هـذه الصحراء المسـكـونة بالغـبـار و الجفاف و روائح القتلى المجهولين في معارك العرب الخاسرة، على مدى عقود من النكوص و الانهيار !‏‏‏

الممكن الـوحيد اليوم هو اكتمال دورة الانهيارات في الجدران الرخوة التي تآكل فيها الطين و الحجر ، وسـط بـادية مترامية الأطراف جرب بدوها كل الخيارات العبثية المرتجلة ، ما عدا خيار النـجـاة ، وطرقوا كل أبواب الخيبة و الفشل ، و تجنبوا بابهم الذهبي المهجور الذي انتظر خيولهم عـقـوداً طويلة دون أن يلوح لها أثر ، أو يسمع لصهيلها أي صدى !‏‏‏

فتنوا بنـشـيد السـلام الذي صاغـوا مفرداته و نغماته ، و هم في ثـيـاب نـومـهـم ، يلفهم العجز ، و تلتهم قواهم موروثات الحروب البائسة التي خاضوها على الخرائط و تجنبوها على الأرض ، دون أن يتنبهوا إلى أن السـلام تصنعه القـوة و لا يسـتـجـيـب للأناشيد المجللة بلغة العجز، الطالعة من غبار الهزائم و النكبات ، و أن السلام لا ينسج رايته طرف واحد ، إلا إذا حمل رايته البيضاء و قرر الاستسلام !‏‏‏

كل الأمم جـربـت حـظها في اختيار مصيرها و انتزاعه من بطن التاريخ ، جربت و خابت ، ثم جربت و انتصـرت ، و حمت نصرها بالأظافر ، و شادت على قواعده بنيان مجدها و عزتها ، و احتلت مكانها بين الأمم ، ما عدانا نحن الذين نجـرب و نخـيـب ، ثم ننـسخ التجربة لنستولد الخيبة من جديد ، بأفكار لم تتغير ، و أدوات لم تتغير ، و وجوه لم تتغير ، في عالم يمور بالمتغيرات من القطب إلى القطب !‏‏‏

حين أنجزنا اغـتـيـال فكرة الـدولـة الـقـومـيـة الـواحدة ، كنا بارعين في رفع الأسوار الصلبة حول جنة الـدويـلات القـطـريـة ، الـتـي لا تقـود في كل الحسابات إلا إلى الانقسام و العزلة و النفخ في ذرائع المصالح المتضـاربـة التي وجدت من يروج لها و يقبض ثمنها ! و حين رسا المشهد على صورته المجزأة ، و صرنا أمـمـاً و شـعـوبـاً نـتـصـارع أحياناً حتى على جنـس الملائكة ! حينذاك افتتحنا مناقصة السلام في سوق دولي يعرف كيف يصطاد السلعة بأرخص ثمن حين يتيقن من الكساد الذي يتهددها !‏‏‏

أمـتـنا إذن تعرض بضاعة كاسدة اسمها السلام في سوق دولي له تاريخ في الاحتكار و الربح الحرام ، المـسـيـطـرون فـيـه هم من وضع قوانينه ، و هم من يفسرها على مزاجه ، و يبدل في أولوياتها على هواه، فلماذا إذن سـوف يذعن للثمن الذي عـرضناه ، و لماذا لا يبتزنا حتى آخر قطرة من كرامتنا ، ما دام قد تيقن أننا سنبيع في النهاية ، لأننا لا نقوى على اغتصاب الثمن اللائق بالسلام الذي ننشده !‏‏‏

هل خـذلنا حقاً باراك أوباما في نهاية المطاف ، أم نحن الذين خذلنا أنفـسنا و خذلناه حين عرضنا عـليه صورتنا كـقـبـائـل مـتـنـازعـة، تتحدث باثنين و عشـرين لساناً ، و تتسابق على الترويج لمناقصات بائسة لا تـوصـل إلا إلى الخـسـارة المحـتـومـة ، فـأوباما لا يقف وحيداً على رأس السلطة الأمريكية ، و مهما حسنت نـياته فـعـلـى يمينه و شـمـالـه مـراكـز الـقـوى و المؤسـسات ، و حيتان الشركات ، و الإيباك و الكونغرس و المسـتـشارون المستولدون من رحم عهد المحافظين الجدد ، فماذا بوسع صاحب وعود التغيير أن يفعل في هذه الغابة ، و من أين له أن يمد لنا حبل النجاة ، ما دام حبل التنازلات في أيدينا لم يصل إلى طرفه بعد !‏‏‏

هل من خـيـار آخـر ؟ هو في متناول اليد ، لكننا نشيح عنه بوجوهنا، لأننا لا ننوي أن نصحو ، و لأن الـعـجـز قـد استهلك قوانا و رمانا أسرى الأوهام على أرصفة هذا العصر ، فلننشـغل بانهيارنا إذن بلداً وراء بلد ، و دويلة خلف أخرى، و قبيلة بعد قبيلة من حدائق بابل إلى سد مأرب ، و ما قبلهما و ما بعدهما ، فلقد هاجرنا من التاريخ و لن تعيدنا إلى بؤرته شظايا الجغرافيا !‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية