في هذه السطور نحاول الاقتراب من بعض معاناتهم على واقع حياة الاسرى من خلال الأسير المحرر علي محمد ابن الجولان السوري المحتل،لكنه فلسطيني الهوى كما يطلق عليه،خاض تجربة الانتماء للمقاومة والعمل بصفوفها في سن مبكرة ،خاض تجربة السجون الإسرائيلية اثني عشر عاما متنقلا بين عدة سجون كان أكثرها بقاء في سجن عسقلان الاكثر شهرة لحالات القمع والإرهاب الإسرائيلي ،ورغم قساوة ومرارة هذه السجون وألوان القمع والوحشية التي تمارس بحق الأسرى والمعتقلين،إلا أنه من العناوين المضيئة الجيدة هو لقاء هؤلاء المناضلين مع بعضهم البعض من كل الأطياف والأماكن ومن كل الجغرافيا العربية «سورية، لبنان ،الأردن» على أرض فلسطين مع المجموع الفلسطيني الجسم الأكبر.
ويؤكد الأسير المحرر أن السجون والأماكن التي أرادها المحتل ان تكون لتفريغ وكسر إرادة الأسير المناضل والمقاتل الذي يطالب بحريته وكرامة شعبه،كان الرد من الاسرى عبر تراكم كبير من التضحيات والتي عمادها الكلمة كحالة بقاء على طريق النضال وإن اختلفت الأماكن والأدوات، فالثابت لدينا وجوب عدم الانكسار والخضوع للإرادة المتوحشة التي يمثلها الاحتلال على وجه الارض .فحقيقة الأمر كان الأسير لديه هذا الشعور العالي والاعتزاز انه هو يمثل كل شيء حق على وجه الأرض امام حالة البشاعة التي يمثلها الاحتلال وإجراءاته،فكان لابد من النضال على الجبهة الثقافية من خلال التزود بالوعي خاصة وأن لدى الاسرى والمعتقلين في المجال الثقافي نشاطاً وحراكاً جيداً على صعيد النفس والواقع ،لافتا أنه لسنوات عديدة أقل يوم كان يقرأ فيه سبع ساعات ،كتحد صارخ للعدو المحتل وان آلاف الأسرى والمعتقلين ليسوا مجرد أرقام .بل هم فعل مقاوم وعلى قدر عال من التفكير الواعي المتواصل مع الأهالي والشعب الفلسطيني.
وفيما يخص سؤالنا عن مدى توفر الكتب التي يقرؤونها..أشار محمد الى وجود مكتبة في سجن عسقلان إلا أن هناك حالة منع دائمة للقراءة ،لكن من خلال الإضرابات والتضحيات كان مطلب الأسرى دائما هو إدخال الكتب من الأهل والصليب الاحمر وجميع المنظمات واللجان المهتمة بالأسرى. وبين الأسير محمد كيف كان هناك التفاف على إدخال الكتب طالما رقابة الاحتلال تفرض المنع فيما تسمح لعناوين محددة مثل الروايات الرومانسية التجارية الرخيصة أن تمر..لذلك كان العمل يتم بين الأسرى واهاليهم وأمهاتهم ورفاقهم خارج المعتقل من خلال خداع العدو وآلته الرقابية ،فإذا ما ارادوا كتابا سياسيا يخص النضال الفلسطيني على سبيل المثال يتم تمويهه بأحد أغلفة الروايات المصرية المعروفة ويرغب العدو بتصفحها وخاصة العاطفية والرومانسية منها، كالوسادة على سبيل المثال لاحسان عبد القدوس لكن مضمون الكتاب شيء مختلف.واضاف محمد بأن الأمور تطورت وأصبح لديهم كتب متنوعة إلى جانب الكم الهائل الذي كتبه الاسرى داخل السجون من روايات ادبية ودراسات وشعر.
أدب السجون
وعن مشاركة أدب السجون لأول مرة في معرض الكتاب الدولي في دمشق والذي وصل لمئة عنوان تقريبا..ذكر الأسير المحرر أن الأمر كان متعبا لهم نظرا لصعوبة تجميع هذه العناوين، ومابين اخراجها من الأرض المحتلة ومرورها بعدة دول حتى وصلت الى أرض دمشق وخلال عملية النقل ضاعت للأسف العديد من العناوين ،حيث لكل عمل نسخة واحدة فقط،لافتا الى وجود محاولات جادة لخروج عناوين أخرى.
وفي سؤالنا ايضا عن آلية الكتابة وهل من وجود للورق، أوضح أنه في مرحلة متقدمة لم يكن هناك ورق في بدايات الأسر حيث كانت الظروف قاسية وصعبة.
لكن فيما بعد ونتيجة الخطوات النضالية والإضرابات التي كان ينفذها الاسرى انعكست نتائج انتصار الارادة على تحسين بعض ظروف الحياة ما انعكس ايجابا فيما بعد على الحياة الثقافية ،إذ توفرت بعض القرطاسية من أقلام وغيرها من خلال زيارات الأهالي..مؤكدا أن المشاركة لأول مرة في معرض الكتاب بمكتبة الأسد قد حفزهم لتفعيل دورهم أكثر بعدما رأينا رغبة الناس و حبهم لأدب السجون والأدب المقاوم والذي تم شرحه مرارا لزائري المعرض وبيان قدرة الأسرى على الانجاز ، حيث كانت المفاجأة الكبرى كما يقول الأسير المحرر حين كان يتطرق لبعض الأسماء مثال الرفيق وليد دقة٣٦ عاما داخل الاسر ومازال يكتب ويبدع الرواية والقصة والدراسة، كذلك الرفيق كميل أو حنيش الذي أصدر رواية مؤخرا سيتم توقيعها بدار الآداب في عمان،وكان له أكثر من عنوان بمعرض مكتبة الأسد ، إضافة لعناوين اخرى لأحمد سعادات الأمين العام للجبهة الشعبية والمقاوم مروان البرغوثي وعدد من الاسرى المحررين.
هذا الجهد الذي يقومون فيه هو جزء مهم من تجسيد وتعميم ثقافة الأسرى حيث يتم تعزيزها عبر العديد من الندوات للتعريف بحياة الاسرى وأهمية الوقفات التضامنية أمام المنظمات الدولية والصليب الأحمر لمطالبتها القيام بما يناسب دعم الأسرى وإطلاق سراح المرضى منهم وكبار السن.
وعن نتاج أعمال الأسير المحرر علي محمد أكد أن أغلب أعماله لم تخرج رغم وجود غزارة الانتاج،منوها بأن وجود الكتاب هو فعل تحد وليس فعل ترف ماجعل الكثير من الأسرى يكتبون على ماتيسر من قصاصات الورق وعلب باكيت الدخان بخط ناعم وصغير»خط السمسمة»على عكس حال من هم بالخارج ويكتبون في فضاء رحب لا يخضع لسلطة القمع والتعذيب والتنكيل،كما حال المعتقل والاسير حين يكتب،لان فعل الكتابة بالنسبة له هو تحد داخل السجون وهذا هو المعنى الحقيقي للأدب المقاوم الذي يستفز الاحتلال بما يشكل من خطر برأيه..وبالتالي من هنا تأتي أهمية هذا الأدب المقاوم.