إن جمالية اللوحة وقوة تأثيرها تكمن ببراعة الفنان, وامتلاكه لتقنيات الإبداع, حينها ستتفجر ينابيع الجمال الدافقة من الذات وتشرق الروح جمالاً.
(تجربة مابعد التقاعد) عنوان معرض تشكيلي سيقام اليوم في المركز الثقافي العربي في كفرسوسة للفنانة د.إلهام سليمان شدود حيث تعرض فيه تجربة عاشتها وعايشتها وهي تقدمها لكل سيدة في أي عمر, ولاسيما في سن التقاعد, إنها دعوة لنشغل أنفسنا وأوجاعها متسلحات بالأمل, قاتلات الوقت بكل جميل ومفيد كي لايقتلنا!! فهل نقدر؟ نعم نقدر !! إذا أردنا.
جريدة الثورة التقت د.إلهام سليمان شدود لتقلب معها أوراق عمر عاشتها داخل وخارج سورية, ولتحكي عن تجربتها في الفن فقالت: تقابلنا.. تلاقت أرواحنا بدأنا معاً رحلة العمر, سعينا جاهدين أن نترك بصمة حيثما حللنا في دروب هذه الحياة, تعثرنا لكنّا واصلنا المسير, بعد التقاعد حين بدأت تجربة الرسم رسمت لوحات لأهديها لأحفادنا كذكرى من (تيتة الهام) وقد أعجبتني الفكرة وشجعتني.. وأنا اليوم قد جمعت رسوماتي لأهديها لك هذه المرة تحية من (أم إياد) لكنك خذلتني على غير عادتك وتغيبت.
رحلة عمر
ارتبطنا.. انا خريجة قسم اللغة العربية وماجد خريج قسم التاريخ, سافرنا معاً لمتابعة الدراسات العليا في جمهورية يوغسلافيا الاتحادية وذلك بين عامي 1975- 1981 في بلغراد, جلسنا معاً على مقاعد الدراسة لتعلم اللغة الصربو كرواتي, بعدها التحق ماجد بكلية العلوم السياسية والتحقت أنا بكلية الآداب.. لم تكن الحياة الطالبية سهلة فكلانا يدرس لاسيما أننا رزقنا بطفل لكن بالجد والصبر وتبادل الأدوار عدنا بالدكتوراه وبإياد.
عينت في كلية الآداب جامعة دمشق (كنا قد رزقنا بمنار) وعين ماجد في المعهد العالي للعلوم السياسية ومن ثم أصبح عميداً له.
أهتم باكراً بقضايا الشباب وآمن بالجيل وتنشئته, ما استدعى جهوداً مضاعفة امتدت على مساحة الوطن, بالإضافة إلى مشاركاته العربية والدولية حتى بات منزلنا أشبه بمركز صغير للدراسات.. وعندما سمي في قيادة الحزب (رئيساً لمكتب الشبيبة والطلبة والرياضة) ضاعف جهوده لأنه رأى القيادة مسؤولية وليست امتيازاً.
وفي عام 2006 سمي سفيراً للجمهورية العربية السورية لدى جمهوريا صربيا والجبل الأسود بعد أن تشظت يوغسلافيا نتيجة الحرب إلى دول سبع (صربيا - الجبل الأسود - مكدونيا - كرواتيا - سلوفينيا - البوسنة والهرسك - وكوسوفو) وهكذا اصبحت اللغة الصربية لغة دولية.
قدمت استيداعاً من التدريس في الجامعة, ولحقت بزوجي في بعثته الدبلوماسية كما خارج سورية لكنها كانت في قلوبنا, جلنا في صربيا, معرّفين بحضارتها العربية الموغلة في القدم, حاملين معا الملصقات والصور والمشغولات التي أبدعها السوري الحاذق.
عندها كانت الفعاليات الدولية السنوية التي أقامتها وزارة السياحة (سورية على طريق الحرير) في الأوج, وتسابق الجميع للمشاركة, وتميزت مشاركة الصرب وكرموا أكثر من مرة وتوافدت البعثات الإعلامية, فقد صور التلفزيزن الرسمي الصربي كثيراً من الأفلام الوثائقية عن سورية عراقة ومعاصرة, عرضها على مدى شهرين ونصف في عشرين حلقة مدة الحلقة الواحدة 45 دقيقة كانت تعرض على القناة الأولى وتعاد على القناة الثانية وقد حظيت هذه الحلقات باهتمام ومتابعة..
عودة إلى حضن الوطن
وفي عام 2012 عدنا إلى حضن الوطن.. حوّلت الاستيداع تقاعداً لأسباب صحية, في حين عاد ماجد إلى التدريس وبقي يحاضر ويؤلف للمقرارات التي يدرسها إلى أن حان وقت الرحيل!!
رحلة مع الرسم
أما حكايتي مع الرسم لم تتح لي الظروف والانشغالات الفرصة للتعبير عن ميول فنية كامنة (الآن تذكرت ماأوصتني به معلمتي في الابتدائي اطلبي من أهلك أن يسجلوك في مدرسة فنية) وطبعاً لم يحدث.
للمصادفة قبل سنوات ست في مثل هذا التوقيت, بدأت أرسم عن الانترنت مايستهويني من روائع اللوحات والمناظر, مستخدمة الألوان المائية على ورق الكانسون, فإذا ما تزامن انتهاؤها مع عيد ميلاد أحد الأحفاد أهديتها له, لتكون ذكرى من تيتة.
وشجعني أبو إياد على التجربة الجديدة مادفعني إلى المزيد, لعله تدبير إلهي أن أهتدي للرسم في هذه المرحلة من حياتنا, في ظروف صحية ضاغطة, ألم بدني ونفسي, وفي البيت, وفي سورية الحبيبة وفي كل مكان حولنا.
بعد رحيل رفيق الدرب, ومع ما كان يملأ النفس من المشاعر المتزاحمة والمتضاربة, حاولت طيلة سنتين أن أعود إلى العلاج بالرسم, لكنني لم أفلح لأنه يجب أن أفعل شيئاً (بما يناسبني راقني الجو الأسري في المركز التربوي في المزة, شجعوني فشاركت في معارضهم, كما شاركت معهم في معرض تقيمه الإدارة السياسية (تحية إلى تشرين) بلوحة بعنوان (حبة من ترابك بكنوز الدني.. ياوطني) وبتشجيع منهم أقيم اليوم معرضي هذا حيث استخدمت الألوان المائية لشفافيتها في رسم الطبيعة مهتمة بالتفاصيل, ومن ثم جرّبت رسم الطبيعة الصامتة بالأقلام الخشبية.. ومع القائمين على المركز كانت نقلتي إلى استخدام تقنية الأكرليك, ولأننا عشنا مايقارب من 14 عاماً في ربوع البلقان ذات الطبيعة الخلابة والمناظر الرائعة ففي بلغراد يلتقي نهر السافا والدانوب الذي يسمى نهر العواصم إذ يمر في عواصم خمس ويجتاز عشر دول... وهناك الكثير من البحيرات والشلالات لكثرة الأمطار والثلوج.
إنها فرصة أتيحت لي ولن تعاد.. رسمت مناظر من بلاد عشنا فيها, ولنا فيها ذكريات (إياد ولد في ربوعها وزارها طبيباً) فرسمت مناظر من صربيا وريفها ومن الجبل الأسود وكرواتيا والبوسنة والهرسك وسلوفينيا...الخ.
ammaralnameh@hotmail.com