ويعزو البعض الأسباب التي دعت الحكومة إلى عدم إقرار تمديد خدمته في هذا المنصب إلى تلك الأقوال الصادرة عنه. ويبدو في الوقت الحاضر أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أصبحت على قرابة مما ذكره داغان، وباتت على قناعة تامة بأن مخاوفها من الأسلحة النووية الإيرانية غير مبررة وفي غير محلها.
منذ أمد قصير، كتب الصحفي عاموس هارئيل في جريدة هآرتس مقالاً ذكر به «أن تقارير الاستخبارات الإسرائيلية تؤكد بأن إيران لم تتخذ بعد قراراً بإنتاج القنبلة النووية». لكننا نرى بأن تشديد العقوبات وتضييق الخناق على الشعب الإيراني قد يفضي إلى دفع قيادتها للتفكير بهذا الإجراء بشكل جدي.
خاطب الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت أحد مساعديه بقوله:»تكلم بهدوء وكياسة، واحمل عصا غليظة، تلوح بها» بمعنى خفف من حدة الكلام، وقلل من إطلاق التهديدات، فذلك هو السبيل للمحافظة على هيبة البلاد. إلا أن ما دأبنا على ممارسته من تهديد في غير محله سيجعلنا عرضة وهدفاً لمن نهدده وخاصة إيران التي لا نملك سوى قدرات محدودة لا تتيح لنا بشكل فعلي شن هجوم عليها. ومع كل الاحترام لأنفسنا وقدراتنا، علينا أن نعلم بأننا لسنا بالولايات المتحدة، بل في أفضل الأحوال، نعتبر من السائرين بركابها، ومع ذلك فقد دأبنا على إطلاق تهديداتنا لها بشكل مبالغ به. لكن علينا أن نعلم بأننا لسنا الوحيدين الذين يعرفون كيف يثيرون قلق الطرف الآخر بتهديداتهم، فإيران أيضا تعلم كيف تستخدم وسائل التخويف وبث الرعب في نفوسنا.
يقول البروفسور شلومو أفنيري:«علينا ألا نزيد من حدة التوتر» وهذا يعني استبعاد الأسباب المؤدية إلى إلحاق الضرر بأنفسنا لأنه يزيد في المخاطر المحدقة بنا».
كتب الصحفي روجر كوهين مؤخراً مقالاً في صحيفة النيويورك تايمز تحت عنوان:«لا تفعلها بيبي» تحدث به عن التصريحات والتهديدات التي تطلقها إسرائيل بقصف المفاعلات النووية الإيرانية، ثم استطرد القول:«نتنياهو لا تطلق قذائفك، فقد تشكل عقابيلها نتائج وخيمة لم تكن بالحسبان خاصة إن حدثت قبل الانتخابات الأمريكية، إذ أن هذا التصرف سيكون له أثره البالغ على موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاه إسرائيل في المستقبل في حال إعادة انتخابه مرة ثانية. فضلا عما تفضي إليه من تزايد الراديكالية في قلب منطقة إسلامية ساخنة».
لا يعتبر كوهين من المتعصبين لإسرائيل على الرغم من أن اسمه يدل على أنه يهودي إلا أن ما يكتبه يعبر عن رغبات البيت الأبيض. ولا ريب بأن إطلاق التصريحات المتضمنة تهديداً ووعيداً لن تفضي إلا إلى زيادة في تأزيم الوضع وإلحاق الأذى بنا. فعندما قال نتنياهو بأن العقوبات على إيران لم تعد مجدية بينما نجد الواقع يناقض مقولته تلك، ويضاف إلى ذلك ما أدلى به وزير خارجيته ليبرمان من انتقاد للموقف الأمريكي بقوله:«لقد حان الوقت لنحول الكلام إلى أقوال» يجعلنا نتساءل كيف يتسنى لنا أن نقنع تلك العقول النيرة بأن إطلاق تلك العبارات التافهة يعرض التعاون الأمني الاستثنائي بين امريكا وإسرائيل للخطر؟
إن الاعتقاد بأن العقوبات لن تؤدي إلى وقف البرنامج النووي الإيراني ثبت خطؤه، ذلك لأن القادة الإيرانيين قد أخذوا باعتبارهم ما يسببه الإقدام على الخطوة الأخيرة لإنتاج القذائف النووية.
علينا أن نعود بالذاكرة إلى غزو العراق من قبل الولايات المتحدة في عام 1991 حيث تعرضت إسرائيل لهجوم بصواريخ سكود كرد على قصف المفاعل النووي العراقي حيث تم إطلاق 39 صاروخ سكود الأمر الذي أثار الرعب والهلع في نفوس الشعب الإسرائيلي قاطبة وسارع نصف سكان منطقة تل أبيب لمغادرتها. أما النصف الآخر فقد أختار البقاء في الغرف الأمنية المغلقة مكتفياً بشرب الماء والتبول في الأواني المعدة لهذا الأمر.
لا شك بأن قيام الأمريكيين باتخاذ عمل عسكري ضد إيران سيجابه بإطلاق صواريخ شهاب على تل أبيب ليس من إيران فقط بل من مواقع لحزب الله أيضا. وكل ذلك يحدث بسبب من التهديدات الفارغة التي نطلقها بين الفينة والأخرى. أما إذا انفردنا بهذا التصرف فإن الوضع سيكون أكثر سوءاً.
علينا أن نعلم بأنه لن ننعم بعيش هانئ إذا شن الأمريكيون هجوماً على إيران، وعلينا أن نستذكر ما جرى في حرب لبنان الثانية حيث كانت القذائف تنهمر بشكل يومي على شمال إسرائيل وصولاً إلى الخضيرة، وشهدنا قائد الجبهة الداخلية في وزارة الدفاع ماتان فيلناي يحذرنا بعبارات جعلتنا نرتعد خوفاً ما يؤكد بأن قدرتنا على مجابهة الضربات أمر لا يمكن التحدث عنه.
ثمة جوانب إشكالية لكل سيناريو حرب، إذ لو أننا قمنا منفردين بشن هجوم على إيران فمن المؤكد بأن النتائج ستكون كارثية. وإن لم نفعل فإن إيران قد تتخذ الإجراءات القمعية بحقنا. وفي كلتا الحالتين، نحن عرضة للهجوم. والسؤال: هل نحن معنيون بالاستمرار بإطلاق التهديدات لإيران في ظل التوتر القائم في المنطقة؟ وهل لدينا قيادة يمكن الاعتماد عليها في اتخاذ القرارات المناسبة؟
إن أكثر ما أخشاه هو وجود أسباب تفقدنا النوم الهانئ...
بقلم يوئيل ماركوس