فيصعد هذا الملف إلى السطح مع قرع طبول الحرب أحيانا ، ويتراجع مع الجهود الغربية والأمريكية لاستخدام العقوبات الاقتصادية من جهة وفسح المجال أمام لجنة الطاقة النووية الدولية من جهة أخرى ، خصوصا بعد قيام القوات المسلحة الإيرانية بإجراء مناورات واسعة اشتملت على الأسلحة الصاروخية والبحرية والبرية والجوية في منطقة الخليج عامة ومضيق هرمز على وجه الخصوص، وبالتالي تهديد إيران بإغلاق المضيق في حال قيام الغرب بفرض عقوبات على تصدير النفط الإيراني حيث مثلت هذه المناورات بحسب دراسة إسرائيلية ردا على مزاعم إسرائيل :« أن إسرائيل ما انفكت منذ ما يقارب عقدين تُولي المشروع النووي الإيراني الأهمية القصوى وتضعه في مقدمة أجندتها الأمنية والسياسية وأشارت الدراسة إلى أن إسرائيل ما برحت تعمل، من أجل ذلك، على إظهار المشروع النووي الإيراني على أنه بالدرجة الأولى خطرٌ على السلم العالمي وعلى الدول العربية الخليجية المجاورة لإيران، ويخل بالاستقرار في المنطقة، ويعرض وجود إسرائيل للخطر، ويفتح الباب على مصراعيه لسباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط، قد تشارك فيه بشكل خاصّ كل من السعودية ومصر وتركيا وقالت الدراسة، رغم ذلك، إن إسرائيل تحاول دوماً ألا تظهر أن دورها هو الأساس في تحريك الحملة الدولية ضد برنامج إيران النووي، وتطرح المشروع على أنه مشكلة تهمّ المجتمع الدولي وليس مشكلة إسرائيل وحدها».
تأجيل المناورات
المناورات العسكرية المشتركة الأمريكية –الإسرائيلية التي كان من المقرر إجراؤها في الكيان الصهيوني الشهر الحالي تم تأجيلها الى اجل غير محدد ، ثم جاءت زيارة رئيس أركان الجيوش الأمريكية الى الكيان واجتماعه بالمسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين كافة ، وذلك بعد سلسلة من التصريحات من قبل قادة عسكريين أمريكيين استبعدوا خلالها القيام بأي عمل عسكري وصل البعض بهم للقول بان أي عمل عسكري ضد إيران يمثل كارثة في المنطقة الى جانب أن بعض هؤلاء قد حض إسرائيل ضمنيا على عدم القيام بأي عمل عسكري ضد إيران في موازة قيام الإدارة الأمريكية بحملة لفرض المزيد من العقوبات على إيران وبالتحديد عقوبات على صادرات النفط الإيرانية. ولا ريب في أن الاغتيالات والتفجيرات التي جرت في أماكن متفرقة من إيران مؤخراً وتلميحات رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال بني غانتس حول «الأحداث غير الطبيعية» وضعت إسرائيل في واجهة المشهد المتوتر. فهناك إشارات روسية بأن إسرائيل تحث أميركا على مهاجمة إيران. وهناك تسريبات كثيفة وجدت تعبيراً عنها في الكثير من عناوين الصحف الإسرائيلية والدولية بأن إسرائيل تستعد لمهاجمة إيران عسكرياً وأن الولايات المتحدة تكبحها.
ألاعيب الحرب
والوقع أن هناك الكثير من المحللين الاسرائيلين باتوا يعتقدون أن إسرائيل لم تعد تمتلك القرار بشان شن حرب على إيران وحتى على غير إيران بحكم التغيرات والتعقيدات الكبيرة التي تمر بها المنطقة وأسباب خارجية مثل الوضع الداخلي الصعب الذي يعيشه نتنياهو وحكومته الى جانب بدء الحملة الانتخابية الأمريكية وعلى حد تعبير دان مرغليت في إسرائيل اليوم أنه :«لا تهــب حتى الآن ريــاح الحــرب في الخليج. كذلك لا تسمع أصوات الحرب. ولكن تسمـع ألاعيب الحــرب، وهي بالغة الأهمية إذا أخذنا بالحسبان أنه مع بدء عام الانتـخابات في الولايــات المتحدة تقريباً لا يوجد سجال سياسي لا يضع في مركزه المشروع النووي الإيراني».
وبالعودة إلى الدراسة المذكورة فإنها تحدد أهداف إسرائيل من وراء التحذير من البرنامج النووي الإيراني في هذه الفترة هي: أولا ً الضغط على الدول المهمة في العالم لفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية الدولية القاسية على إيران، إذ تطالب إسرائيل بإلحاحٍ مستمر بفرض عقوبات اقتصادية دولية على البنك المركزي الإيراني ورفض التعامل معه إطلاقا، وعلى قطاعي النفط والغاز الإيرانيين، ومقاطعة هاتين السّلعتين الحيويتين للاقتصاد الإيراني.
تهيئة الرأي العام
والهدف الثاني، كما تقول الدراسة، هو تهيئة النخب السياسية في الدول المهمة، وتهيئة الرأي العام الدولي، لتقبل فكرة توجيه إسرائيل وأميركا ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية.
أما الهدف الثالث فهو السعي للتوصل إلى تفاهم مع الإدارة الأميركية على الخطوط الحمر التي يُمنع على المشروع النووي الإيراني تعدّيها، والحصول على تعهدٍ أميركي واضح يلتزم بتوجيه ضربة عسكرية أميركية إلى المنشآت النووية الإيرانية، إذا تخطّى المشروع النووي الإيراني هذه الخطوط الحمر واقترب من صنع القنبلة النوويّة.
وذكرت الدراسة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك يواجهان معارضة جدية في داخل إسرائيل لسياستهما بخصوص توجيه ضربة للمنشآت النوويّة الإيرانية في الوقت الحاضر.وأوضحت أنه وحتى الآن نجد أن كلا من المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية وزعامة حزب كاديما وحزب العمل وجزءاً هاماً من قادة حزب الليكود ضدّ توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية في الوقت الحاضر.
وأشارت الدراسة إلى أن المؤسسة العسكرية الأمنية الإسرائيلية تُولي أهميةً قصوى للموقف الأميركي بشأن قيام إسرائيل بضرب المنشآت الإيرانية. وفي كلّ الأحوال تعتقد المؤسسة العسكرية الأمنية أنه يجب عدم اللّجوء إلى الضربة العسكرية إلا كملاذ أخير وعندما «تلامس السكين الرّقبة» وبالتّنسيق الكامل مع الولايات المتحدة.وختمت الدراسة أيضا إلى أن العديد من المحللين العسكريين الإسرائيليين يستبعدون أن توجه أميركا ضربةً للمنشآت النووية الإيرانية، ودعوا متّخذي القرار في إسرائيل إلى المباشرة في رسم سياسة إسرائيلية بمقدورها أن تتجاوب مع إيران نوويّة، «بدل الانشغال في الإعداد لعملية عسكرية احتمالات نجاحها في منع إيران من تطوير سلاح نووي ضئيلة للغاية». ونقلت الدراسة عن أحدهم قوله «إن سلاحا نوويا في طهران لا يعني نهاية العالم. وإن الاستعداد الملائم والسياسة السليمة والحكيمة بهذا الشّأن هما الضّمانة لردع حكام إيران».
منطقة رمادية
من جهة أخرى هناك من بين المحللين الإسرائيليين أن الغرب يعلن صبح مساء أنه ليس في وارد السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي. وانه في سبيل الحيلولة دون ذلك لن يتردد في استخدام القوة العسكرية. غير أن الفارق كبير بين امتلاك إيران القدرة النووية وامتلاكها السلاح النووي. ويبدو أن الغرب بأشكال مختلفة، وبعد أن عجز عن منع إيران من امتلاك قدرة نووية بالمعنى العلمي والبنية التحتية البشرية والمادية، بات يركز على منع امتلاك إيران للسلاح النووي. ويمكن القول إن هناك نوعاً من المنطقة الرمادية الواسعة بين الهدفين. وتساعد إيران أحياناً الغرب على التمسك بالتمييز بين الهدفين من خلال إعلانها المتكرر أنها تخضع برنامجها لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة النووية وأنها تحصر مشروعها في جانبه السلمي وأنها تصرّ على استنفاد حقها الذي تمنحه لها الشرائع الدولية وصولاً إلى امتلاك الدورة الكاملة في تخصيب اليورانيوم حتى حدود الـ 20 في المئة.
والملاحظ أن معظم تحليلات الصحف الإسرائيلية باتت تتفق إلى حد بعيد أن معالجة الملف النووي الإيراني بالوسائل العسكرية هدف بعيد المنال وانه ليس بمقدور إسرائيل الوقوف أمام البرنامج النووي بعد أن نجحت إيران إلى حد بعيد في توفير جميع الأسباب والوسائل التقنية والعلمية التي يمكنها من اكمال برنامجها النووي بالكامل فتحت عنوان « ما الذي سيشعل الإيرانيين » كتب اليكس فيشمان محرر الشؤون الأمنية في يديعوت احرونوت يقول «سيكون ربيع 2012 حاسما بالنسبة للشرق الأوسط. فقد أخذت جميع اللاعبات الإقليمية تستعد الآن لنيسان. وكلها – لا عندنا وفي واشنطن فقط – تُشم ريح حريق في الهواء».
تطورات مضيق هرمز
من وراء المقولات العصبية المصعدة، لمسؤولين كبار في جهاز الأمن الأمريكي، يقوم واقع مهدد أخذ يتطور في إيران. وليس عجبا أن اعترف في الأسبوع الماضي قائد الأسطول الأمريكي بأنه لا ينام جيدا في الليل إزاء ما يتطور في مضيق هرمز. وحينما لا ينام الأدميرال جيدا ويحدد وزير الدفاع خطوطا حمراء للإيرانيين فانه ينبغي أن نفترض أنهم عندنا ينامون بالملابس العسكرية والأحذية.
ويضيف فيشمان ،لكن يوجد إمكانية أخرى أيضا أكثر واقعية وأكثر قربا من الاشتعال وليست لها صلة بمهاجمة المنشآت الذرية الإيرانية. فحوى هذا السيناريو أن الإيرانيين سيكونون أول من يضغط على الزناد بسبب الطوق الاقتصادي الخانق والعزلة الدولية اللذين يزدادان إحكاما حول أعناقهم. فقد بدؤوا يُدفعون الى الحائط بسبب الضغوط التي أصبحت مستعملة عليهم وأكثر من ذلك بسبب الضغوط التي ستُستعمل عليهم في القريب جدا.
خلاف على الخط الأحمر
بدوره كتب عاموس هرئيل في هآرتس حول نفس الموضوع وتحت عنوان «خلاف على الخط الأحمر» يقول :«رئيسا أركان الولايات المتحدة وإسرائيل، الجنرال مارتن دمباسي والفريق بني غانتس، سيلتقيان هذا الأسبوع مرتين، لأول مرة منذ تسلما مهام منصبيهما. ومع أن اللقاءين تقررا قبل وقت ما، إلا انه لا يمكن تجاهل الصلة الاستراتيجية التي يجريان فيها: التوتر المتصاعد حول البرنامج النووي الإيراني وما بدا كقلق أمريكي متجدد (ومتصاعد) من إمكانية أن تقرر إسرائيل أن تهاجم وحدها المواقع النووية. في نهاية الأسبوع تحدثت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن سلسلة رسائل كابحة للجماح نقلها مؤخرا مسؤولو إدارة اوباما إلى إسرائيل، بهدف منع هجوم إسرائيلي. يوم الخميس تحدث نتنياهو والرئيس اوباما هاتفيا، بعد وقت قصير من شجب وزارة الخارجية في واشنطن عملية اغتيال عالم النووي الإيراني (العملية التي نسبها مسؤولون إيرانيون في البداية لإسرائيل وبعد ذلك للولايات المتحدة وبريطانيا).
أما صحيفة معاريف فقد كتبت تحت عنوان «فشل الحرب الاقتصادية» :«إلى جانب العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية على طهران، تجري في السنوات الأربع الأخيرة حرب سرية على أرض إيران، تنتقل بالتدريج الى نشاط شبه عسكري. المنشورات الأجنبية، التي تتحدث عن وابل من دود الحواسيب، عن نقاط خلل غريبة، عن تفجيرات في منشآت عسكرية وأخيرا عن المس الجسدي بالعلماء والخبراء، تشير الى صورة واضحة: بين كل القوى العاملة على احباط البرنامج الإيراني، قرر أحد ما بان الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية وحدها لن تجدي وبدأ يعمل بشكل مباشر وبقوة آخذة في التصاعد.