مؤسسة «ديلويت أكسيس ايكونوميكس» إحدى المؤسسات الاستشارية الاقتصادية الرائدة في أستراليا, وفي تقرير جديد لها تنبأ أن احتمالات انهيار النظام المصرفي الأوروبي أو ما يسمى «اليورو غيدون» باتت وشيكة, وان عام 2012 قد «يصطحب معه ركوداً عميقاً وإفلاسات بنوك في أوروبا».
التقرير منح احتمالات نجاح أوروبا في الخروج من الأزمة نسبة تصل إلى 50%، عازياً العوامل المغذية لهذه النسبة إلى «القروض التي يضخها البنك المركزي الأوروبي بالبنوك التجارية، ويذهب جزء منها إلى الحكومات فقد استطاعت أن تحافظ على تماسك أوروبا», ولعل هذا السبب هو ما دفع البنوك المركزية الأوروبية إلى بقاء معدلات الفائدة منخفضة.
صندوق الإنقاذ
ويرى محللون اقتصاديون أن تنبؤات التقرير تجد صداها على أرض الواقع، إذ تتكاثف الغيوم فوق منطقة اليورو دون أن تمطر، فالمستشارة الألمانية «انجيلا ميركل»جددت قبل بضعة أيام رفضها مضاعفة رأس مال صندوق الإنقاذ المالي الدائم المقرر إنشاؤه العام المقبل لدعم مالية دول منطقة اليورو من 500 مليار يورو (650 مليار دولار) المتفق عليها إلى تريليون يورو (1.3 تريليون دولار).
ورافق رفض ميركل دعوة منها إلى شركائها الأوروبيين إلى الاستفادة من أخطاء الماضي في «سبيل التغلب على أزمة الديون السيادية التي تعصف بمنطقة اليورو منذ عامين».
وموقف ألمانيا من توسيع الصندوق ينطلق من قناعة المستشارة أن تفاقم أزمة الديون الأوروبية، كان من أهم أسبابها «إفراط الدول في الاقتراض، ثم اختلاف القدرة التنافسية بين الدول الأعضاء في منطقة اليورو» معتبرة أن المشكلتين يتعلق بعضهما ببعض بشكل مباشر وأنه تجب لذلك مواجهتهما معاً.
وتتجه بعض دول أوروبا لمضاعفة ميزانية صندوق الإنقاذ المالي الدائم، وتتقدم إيطاليا طليعة الدول المطالبة بزيادة ملاءة الصندوق,لحاجتها الماسة إلى التمويل.
وبحسب «ماريومونتي» رئيس الوزراء الإيطالي فإن تقوية ميزانية الصندوق «ستطمئن الأسواق وهذا سيمكنها من خفض كلفة الاستدانة».
استفحال البطالة
وعلى إيقاعات الانهيار المالي والرفض الألماني تأتي الأخبار السيئة من أوروبا, فبنك إسبانيا المركزي رجح انكماش اقتصاد البلاد بنسبة 1.5% في العام الجاري، وارتفاع معدل البطالة ليصل لمستوى 23.4%.
وعزا البنك، في نشرته الفصلية, الانكماش إلى تراجع الطلب المحلي، فالبلاد تعيش حقيقة على شفا ركود اقتصادي، فمعدل البطالة يصل حاليا لمستوى 21.5%، وهو الأعلى بين دول الاتحاد الأوروبي. كما أن الاقتصاد الإسباني نما العام الماضي بنسبة 0.7%.
ديون اليونان
والبيانات الاسبانية تأتي على خلفية خطط خفض الإنفاق التي أقرتها الحكومة المحافظة برئاسة رئيس الوزراء «ماريانو راخوي» والتي تضمنت أيضاً زيادة الضرائب في محاولة لتقليص عجز الميزانية البالغ حالياً نحو 8% واستعادة الثقة الدولية في المكانة المالية لإسبانيا.
وفي سياق متصل استبعد المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية «أولي رين» تقديم قروض جديدة لليونان, وذلك تأكيداً على ما قاله,مدير معهد التمويل الدولي «تشارلز دالار» الذي يتفاوض مع اليونان باسم الدائنين الخواص، من أن مفاوضات هؤلاء مع أثينا حول مبادلة السندات «في مفترق طرق». وتجدر الإشارة إلى أن وجهات النظر متباعدة بين اليونان ودائنيها السابقين من بنوك ومؤسسات مالية أخرى خاصة، متباعدة حول تفاصيل مبادلة سندات جديدة بأخرى قديمة، قصد شطب ديون أثينا(تم الاتفاق مبدئيا على شطب 50 % من قيمة السندات) لتستطيع الوفاء بها والخروج من أزمة ديونها.
خلافات فنية
تفاصيل الخلافات الفنية تكمن, وفقاً للصحافة اليونانية, في نسبة الفائدة التي ستطبق على الديون المتبقية بعد شطب الجزء المتفق عليه، حيث اقترح صندوق النقد الدولي وألمانيا نسبة فائدة في حدود 3% بينما يتمسك معهد التمويل الدولي بنسبة 4.35%.
وقد تكون هذه الأمور الفنية مقدور عليها في حال أن الدفعة الثانية من اموال الانقاذ تمت بيسر وسلاسة.الاتحاد والصندوق يربطان منح أثينا الدفعة الثانية من أموال الإنقاذ بوصول اليونان إلى اتفاق مع دائنيها الخواص لشطب جزء من ديونهم عليها، وتقدر قيمة السندات المستهدف شطبها بمئة مليار يورو، في حين تقدر القيمة الإجمالية لديون اليونان ب350 مليار يورو.
ولتظهير الصورة أكثر نسوق رأيَ المحلل الاستراتيجي «فرانشيسكو غارزاريلي» في بنك «غولدمان ساكس» فهو يرى أن حذف جزء كبير من ديون اليونان «سيؤدي إلى استقرار منطقة اليورو عبر إزالة التهديد الذي تشكله الحلقة الأضعف في المنطقة». ففي حال أبرم اتفاق الدائنين الخواص مع اليونان، وحصلت الأخيرة على حزمة ثانية من أموال الإنقاذ- يقول غارزاريلي - فإنها ستكون قادرة على دفع مستحقات ديون عليها بقيمة 14.4 مليار يورو في موعد استحقاقها الذي سيحل يوم 20 آذار المقبل, وبحلول آذار 2014 ستنتقل أغلب ديون اليونان من القطاع الخاص إلى مؤسسات منطقة اليورو.
يذكر أن قادة منطقة اليورو وافقوا في تشرين الأول الماضي على تمويل حزمة إنقاذ ثانية لليونان بالتعاون مع صندوق النقد الدولي تبلغ قيمتها 130 مليار يورو. وكان الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد قد اتفقا في أيار 2010 على تقديم حزمة قروض لليونان بقيمة 110 مليارات يورو تقدم على أقساط، مشترطين على أثينا تنفيذ إجراءات تقشفية شديدة.