تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


.. في صحارى.. الغربة..

ثقافة
الأثنين 30-1-2012
فاتن دعبول

(أسجل هنا في «أوراق المنفى» وهي شهادات قاسية وجارحة عن زماننا العربي، أنني كاتب اليأس والقسوة، والنهار المهزوم بالظلمة والحزن والموت المخيم فوق أرواحنا المستلبة والكئيبة،

أسجل ذلك لأنني أنفر من الكذب والزيف والتبشير الخادع بالفرح والغبطة والسعادة المفقودة، لقد ولى الزمن الجميل وأقبل زمن العار، زمن التفكك وخراب الضمير الإنساني  والانحطاط اللامتناهي  والخراب السائد، والمستقبل الأسود، مصمم وأنا بكامل وعيي ومعرفتي أن أكون صوتاً فضائحياً في مواجهة هذا التدهور والانحطاط والعسف المبرمج وفي مواجهة العار.....).‏

هكذا يقدم حيدر حيدر كتابه» أوراق المنفى» التي وثق فيها منفاه، غربته، ضراوة الحنين....‏

جاءت بداياته الثقافية والأدبية عبر القراءة والمطالعة في ذلك الزمن، جاءت من عوالم الرومانسية العذبة، عالم جبران خليل جبران، آلام فرتر للشاعر الألماني غوته، تحت ظلال الزيزفون، العبرات، النظرات للمنفلوطي، روايات محمد عبد الحليم عبدالله، المازني، إحسان عبد القدوس، يوسف السباعي، محمود تيمور، وغيرهم....‏

كما ساهمت البيئة الريفية بجمالها ووديانها، بطيورها وبحرها، بروائحها المغلفة بأوراق الغار وزهر الزيزفون والحزن الجميل، في خلق تموجات شفافة وطليقة في أعماق حيدر حيدر، صقلتها القراءة الباكرة والشغف العميق بالأدب، حيث كان الكتاب صديقاً له منذ الطفولة.....‏

وبدأ بنشر قصصه في دمشق، في الدوريات اليومية والشهرية، وكانت مجلة الآداب اللبنانية أبرز المنابر التي كتب فيها قصصه الأولى التي صدرت في مجموعة « حكايا النورس المهاجر».....‏

ومن يومياته نقرأ « خفقة القلب بنشوة السفر، تشبه خفقته بوردة الحب وهي تنفتح في أصقاع النفس، ثمة روائح تنتشر في صحارى الغربة، اهتزازات لا مرئية تمس شغاف الروح، حالة انصهارية بالحياة والموت والأمل الأقل، حالة جليلة كجلال الموت تأتي بغتة فترميك بهدوء على سطح ما من أرض غريبة.‏

هل تركت شيئاً ما في مكان بعيد، أأنت حزين لأنك فارقت، هل وراءك بيت في أقاصي العالم ولا تستطيع العودة إليه؟؟؟!!.‏

تقدم عارياً إلا من النسيان، ففي النهاية يبقى الموت الحقيقة الوحيدة القاسية، والغربة هي الخطوة الأولى باتجاه تلك الحقيقة، لن تخسر شيئاً عبر هذا الإسراء التراجيدي لأنك لا تملك شيئاً غير هذا الجسد الجامح والروح المتوهجة، هذه المتآخية أبدأ مع الشقاء والخطر....».‏

تلك هي عوالمه، تجربة عاصفة، وعذبة كفجر الحب، ومرة كطعم الحنظل.... تلك العوالم والآفاق السحرية، والمرارة الراسية في الأعماق، العنف والبراءة، الحب والموت والاستشهاد...‏

نراها تظهر في الكثير من رواياته وأعماله الأدبية، وخصوصاً في روايته « وليمة لأعشاب البحر»...‏

ويبدو أن المنفى كان وقعه يسيطر على كاتبنا، فنقرأ له من على غلاف رواية « حقل أرجوان»: «.... كان ينبغي أن تسميني أمي علاء الدين... وكان على علاء الدين هذا أن يطلب يد حبيبته من والدها فيقال له: إذا أحضرت لحبيبتك حليب البلابل من جزر الواق الواق.... تكن لك، وحتى يصل علاء الدين إلى غابة البلابل كان عليه أن يجتاز المخاطر والدروب الثلاثة الوعرة، « درب الحريق، درب الغريق، ودرب السد... الذاهب فيه لا يرد، لقد كنت واقعاً في شباك هذه الأسطورة وفي مخاطر دروبها القاتلة، درب الحريق كان اليهود، ودرب الغريق كان أهلي، ودرب السد كان العرب....‏

هكذا كنت مطوقاً من كل الجهات، والحصار يكاد يسد المنافذ كلها في وجهي، عبر كل الأصقاع العربية، كان الطغاة العرب قد نفوني كأجرب أو كقبيلة من الغجر إلى الأرياف وأحزمة المدن البعيدة، وهناك طوقوني بالأسلاك الشائكة وحراس البوليس وخنازير.....‏

فعلاً، حيدر حيدر مبدع، صادق، مشاغب، شغب من له روح ترفض ما تراه من خراب، ولذلك تراه يلجأ إلى بحر حصين البحر ليصطاد فيه، ويحبه وحده كآخر ملجأ من ملاحقات خراب العالم لروحه.... ويبقى الإبداع الحقيقي برأيه هو الذي يفتح الأعين على الحقائق، لذلك يجب على صاحبه أن يعتزل، فمنذا الذي يريد للحقائق أن تراها الأعين، أو تقرّ بها القلوب...؟؟!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية