ملائمة. قال رئيس أحد معاهد دراسات علم الاقتصاد في الولايات المتحدة الأمريكية: «كان بمقدور الطالب قبل عشرين سنة أن يدرس في جامعة حكومية و يعمل بدوام جزئي خلال العام الدراسي و بدوام كامل خلال الصيف, فيتخرج من الجامعة بنسبة ضئيلة أو حتى
معدومة مما تبقى من دين أقساط الجامعة. لم يعد ذلك ممكناً الآن فقد زادت مبالغ أقساط الدراسة لتتخطى دخل الأسرة و أموال المنح الجامعية.»
إذا الصعوبة المتزايدة لتأمين الاحتياجات المالية تجعل من تلك المشكلة أمراً مشتركاً بين معظم شباب العالم من الطبقة العاملة. فكم سمع شبابنا من آبائهم عن ذلك الزمن السهل عندما كان بإمكان الطالب الجامعي أن يجد لنفسه عملاً بدوام جزئي و راتب شهري ضئيل (700 ليرة مثلاً) فيكون بمقدوره إعالة نفسه دون الحاجة لمساعدة الأهل. يعاني الشباب في يومنا هذا من صعوبة إيجاد العمل المناسب و الراتب الشهري الكافي بالإضافة إلى حسن إدارة المال.
بينما يعاني القسم الأكبر من الشباب من حاجتهم للمال الكافي يعاني البعض الآخر من عدم قدرتهم على إدارة أموالهم, فمهما زاد مبلغ المال الذي يملكونه انتهى بهم الأمر إلى احتياج المزيد. لا يمكننا إنكار الأثر السلبي لوسائل الترويج في رسم توقعات الشباب حول أنماط العيش و الاحتياجات المادية و الممتلكات, لكن الدور الأكبر يعود إلى التربية التي يتلقاها الفرد خلال السنوات المبكرة من حياته بغضّ النظر عن مستواه المعيشي.
في مقالته ‘هل الأغنياء سعداء؟’ ذكر ستيفن ليكوك أنه لم يلتق أو يرى شخصاً غنياً في حياته: « عندي صديق يتقاضى عشرة آلاف دولار سنوياً قال لي أمس الماضي متنهداً أنه توصل إلى أنه من المستحيل مجاراة الأغنياء. لن يستطيع فعل ذلك براتبه ذاك أبداً. هذا ما قالته أيضاً أسرة أعرفها تتقاضى عشرين ألف دولار في السنة؛ لا يستطيعون مجاراة الأغنياء, ليس هناك جدوى من المحاولة. هناك رجل أكنّ له الاحترام الشديد و هو يتقاضى خمسين ألف دولار في السنة من ممارسته للمحاماة, قال لي مرة بأكبر قدر من الصراحة بأنه من المستحيل المطلق مجاراة الأغنياء, قال إنه من الأفضل للمرء مواجهة الحقيقة المؤلمة بأنه فقير, و أنه يمكنه أن يقدم لي وجبة متواضعة فحسب, ذلك ما يدعوه بالعشاء المنزلي—و هو يتطلب ثلاثة رجال وامرأتين لتحضيره و تقديمه—طالباً مني أن أتحمل تناوله... لا بد من وجود أغنياء في مكان ما, إني أجد آثارهم في كل مكان. قال لي بواب البناء الذي أعمل فيه أن له ابن عم غنيا يعيش في إنكلترة, في محطة ساوث وسترن للسكك الحديدية, يتقاضى عشرة جنيهات في الأسبوع و لا يستطيعون الاستغناء عنه في المحطة. و بالمثل قالت لي المرأة التي تقوم بأعمال الغسل في منزلي أن لها عماً ثرياً يعيش في وينيبيغ و يملك منزله الخاص, و هو يدرس ابنتيه في المدرسة الثانوية.
أدركت بعض الدول أهمية رفع مستوى المعرفة لدى المواطنين فيما يتعلق بالشؤون المالية, فقد أنشأت منظمة التعاون الاقتصادي و التطوير(OECD) مشاريع تهدف إلى بناء المهارات و المعرفة التي تساعد الفرد على اتخاذ القرارات المناسبة من خلال فهمهم لعالم الأموال بالرغم من تباين المبالغ المالية التي يمتلكها الأفراد و اختلاف طرق التعامل معها حسب اختلاف الدولة و الطبقة الاجتماعية, فقد اتخذ المشروع أشكالاً عدة لرفع الوعي و القدرة على إدارة المال.
عرّف لويس فيت من معهد الدراسات الاجتماعية الاقتصادية الثقافة المالية بأنها: « القدرة على القراءة و التحليل و الكتابة حول الأوضاع المالية الشخصية التي تؤثر على الحالة المادية العامة. يتضمن ذلك القدرة على إدراك الخيارات المالية, و مناقشة الشؤون و القضايا المالية دون (أو بالرغم من) وجود مشقة, و التخطيط للمستقبل, و التجاوب الكفوء مع أحداث الحياة التي تؤثر على قراراتنا المالية اليومية, بما فيها أحداث الاقتصاد العام.»