الذي وإن استثنينا الشهرة التي ربطت اسمه بمبنى «ماسبيرو» بالقاهرة حيث الإذاعة والتلفزيون، وكحفيدٍ لـ «غاستون ماسبيرو» عالم البصريات الكبير الذي عرف كيف يحافظ على آثار مصر ويقدمها إلى العالم. إن استثنينا ذلك، لا يمكن أن نستثني كونه من أكثر الأدباء الفرنسيين التزاماً بالقضايا الإنسانية، وخصوصاً الفلسطينية.
أيضاً، لايمكن أن نستثني كونه، أحد المناضلين ضد الاستعمار الفرنسي للجزائر، وأحد المُلاحَقين والمحكومين، ولسبعِ مراتٍ لم تمنعه من إخلاصه لمبدأه. المبدأ الذي جعله يؤرّخ جرائم هذا الاستعمار ويندِّد بوحشيته.. تلك التي وجدها تتفاقم لدى المجرم «سان آرنو» الذي أباد عشرات الآلاف من الجزائريين.
لم يكن «ماسبيرو» وحده من أدان جرائم بلاده، ذلك أن كُثراً من الأدباء والكُتّاب، كانوا قد فعلوا ما فعله، وفي إدانتهم لسياسة بلادهم وشراهتها للمال والخسّة وازدراء الآخرين، والاستلاب والاحتلال. كُثرٌ فعلوا مافعله وصادقوا عليه، بتصريحاتٍ أو مقالاتٍ أو رواياتٍ. نذكر منهم:
جان بول سارتر - كاتب ومفكر فرنسي:
«إننا قذرون.. والحيوانية هي حقيقتنا»
عندما تقرأ لهذا المفكر، تشعر بأن كتاباته عبارة عن صرخات تجاوزت حدود الهوية والانتماءات. تجاوزت كل ذلك أمام الأزمات الأخلاقية التي تمارسها بلاده في الجزائر، والتي كانت دافعه الأكبر لتأليف الكثير من الكتب التي كان أشهرها «عارنا في الجزائر» و«الحيوانية هي حقيقتنا» في هذين الكتابين، ينتقد مايقترفه أبناء جلدته بحقِّ الجزائريين، ومن استغلال وجشع وانتهاكات ومجازر وسوى ذلك مما اضطرّه للتساؤل: «أين هي الحضارة التي حملناها إلى هذا الشعب؟.. كل هذا هراءٌ وأكاذيبٌ، فالنظام الاستعماري البغيض لا يهدف إلا إلى الاستغلال وإبقاء الشعب تحت نيرِ الاحتلال».
كل ذلك، جعله يُدين الاستعمار الذي اعتبره أشبهُ بجلادٍ، دفعته وحشيته للقول: «نحن لسنا سليمي الضمائر.. إننا قذرون وحكامنا يعرفون ذلك حق المعرفة، وهم يريدوننا على هذا النحو، فلماذا إذن نبذل هذا الجهد لنحافظ على إنسانيتنا؟، إن الحيوانية هي حقيقتنا».
جيم هاريسون - شاعر وروائي أميركي:
«لقد صارَ المالُ إلهاً... في بلادنا»
في لقاءٍ مع هذا الشاعر والروائي، وصاحب مقال «أميركا كما أراها» المقال الذي نقدَ فيه سياسة بلده بطريقةٍ جداً لاذعة.. أميركا التي بلغت أطماعها وخسّتها ووحشيّتها وبشاعة اقترافاتها اللاإنسانية حداً، لأنه لم يعد يطيقه، أدانه أكثر من مرة وفي أكثر من مكان ومقال، وإلى أن سُئِلَ في إحدى اللقاءات الصحفية:
«إحدى شخصيات رواياتك تقول، إن الأميركيين يتجاهلون الجنس البشري بسبب المال ولا يشعرون بالذنب لذلك. هل تُشاطر شخصيّتك تلك، رؤيتها عن أميركا؟».
سُئل هذا السؤال، فكان جوابه:
«لقد صار المال إلهاً في بلادنا. إنه موكب لاينتهي من الشراهةِ والخسّة والجشع، فقد تجاوزنا كل الحدود، والأدهى. أننا حوّلنا هذا المرض إلى فضيلة».
جون شتاينبك - كاتب وروائي أميركي:
«الوحش الأميركي.. لا إله لهُ إلا المال»
لاشكّ أن نمط الحياة الأميركية، العنصري والهمجي والمادي، هو من دفع هذا الكاتب لوصف هذه الحياة ضمن رواياتٍ عديدة أشهرها «عناقيد الغضب».. الغضب الذي صبّه على النظام الرأسمالي وبشاعته، وما يقترفه بحقّ الفقراء وما يدّعيه كذباً انعدمت فيه أخلاقه وإنسانيته.
نعم، الغضب الذي جعله يصبُّ جام نقمته على دولته التي استعبدت شعوباً أدّعت بأنها تريد أن تنشر فيها الحرية والديمقراطية، وفي الوقت الذي حرمتها فيه من حقوقها ومارست بحقها أبشع الجرائم الإنسانية، إنه، ماكان سبباً في مصادرة هذه الرواية وإحراقها، ودون أن يمنع ذلك من تسريبها وطباعتها وترجمتها.
كل هذا، جعله يزداد غضباً قرَّر بعده الرحيل، ولكن ليس قبل أن يُلقي نظرة الوداع على بلاده التي شاهد من قرصنتها وهيمنتها وماديتها ووحشيتها، ماجعله يُعلن وقبل وفاته، وعندما سُئلَ عن معتقده الديني: «من عرف نفسه فقد تألّه. الإيمان الحقيقي هو الإيمان بالإنسان، لا بالوحش الرأسمالي الأميركي الذي لا إله له إلا المال».
كورناك مكارثي - كاتب أميركي:
«قاطعُ الطريق.. جعل من العالم كذبة»
من المعروف عن هذا الأديب، انخراطه في تدوين كل ما يقارن بين الحضاري والبربري، أيضاً، في الكشف عن الوجع البشع للبشرية، وعن جريمة الإنسان الذي يدّعي التعقّل والتحضّر. الإنسان الاميركي الغارق جشعاً ورذيلة وشهوة لتدمير العالم والإنسانية.
أيضاً، كثيرة هي رواياته التي وصف فيها، حضارة العقل والعلم والديمقراطية، بالكارثية، الشبحية، السوداوية، الشيطانية. كثيرة هذه الروايات ومنها «لا وطن للعجائز» و«الطريق» حيث: «كان قاطع الطريق أخاً في الإنسانية. أخاً جعل من العالم كذبة في كل كلمة. كذبة تظهر مع كل حركة زاحفة من عيونه الباردة، ومع كل حركة تظهر مع ظهور أسنانه الرمادية المتّسخة من بقايا اللحم البشري الملتصق بها».