تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فوز مرشحين خارج النمط مؤشر على فشل سياسات الحزبين الكبيرين في اميركا

بقلم لورانس ناردون
عن صحيفة لوفيغارو
متابعات سياسية
الأحد 7-2-2016
 ترجمة: دلال ابراهيم

صارت وراءنا تلك  الأيام التي كنا نظن فيها أن انتخاب خليفة للرئيس اوباما  ستجري بين سلالة بوش وكلينتون ,  عبر ضخ ملايين الدولارات لتمويل الحملات الانتخابية التي تجري بصورة مذهلة .

فقد شهدت الأشهر الأخيرة احتلال مرشحين غير متوقعين الصفوف الأولى, في تحد بليغ للطريقة التي يتبعها الحزبان الكبيران . ويشكل فوز دونالد ترامب منذ شهر أيار المنصرم علامة مميزة بشكل خاص في مسير هذا التطور في السعي إلى البيت الأبيض .‏

في ولاية ايوا , أول ولاية تدلي بصوتها في الانتخابات التمهيدية الأميركية تقدم قطب العقارات دونالد ترامب في الأول من الشهر الجاري في استطلاعات الرأي على السيناتور تيد كروز عن تكساس و ماركو روبيو  سيناتور فلوريدا وكذلك يتوقع أن يحتل ترامب الصدارة في انتخابات  نيو هامبشاير ,ثاني ولاية  ستجري فيها الانتخابات  . وتلعب تلك الولايات التي تجري فيها الانتخابات الأولى دوراً أكثر أهمية من بقية الولايات الخمسين التي ستجري فيها الانتخابات ابتداء من شهر شباط حتى شهر حزيران , نظراً لأن الضجة الإعلامية حول النتائج الأولية تحدد جزئياً مألها . وفوز ( الدونالد ) في الانتخابات التمهيدية هو المرجح بشكل جدي . ونسأل : كيف حدث ذلك ؟ ثمة تفسير لذلك هو الرائج أكثر , وهو قاسٍ بما فيه الكفاية على الحزب الجمهوري . ويستند هذا التفسير إلى التباين المتنامي منذ أعوام الثمانينات بين الأهداف لدى قاعدة الحزب , تلك التي استفتت اليوم لصالح دونالد ترامب , وبين النخب لديه . إذ يفضل منذ فترة بعيدة  المنظرون والشخصيات السياسية البارزة في أقدم حزب اعتماد سياسات ضريبية في برامجهم  على مقاس مانحيهم الأثرياء  , ولا سيما في قطاع المال .‏

ففي عام 2001 و2003  خفض جورج بوش الابن معدل الضريبة على  شريحة الدخل الأعلى . وكذلك أمضى النواب الجمهوريون في الكونغرس قسماً من ولايتهم في عمليات كشف قانون دود فرانك , والذي يرمي إلى إحراز إصلاحات مالية في سوق الأوراق المالية . وفي هذا الصدد اقترح الحزب الجمهوري اتخاذ تدابير مواتية بالإجمال لهجرة الأيدي العاملة , التي طالبت بها الشركات الكبرى .‏

وخلال تلك الفترة , وجد الناخب الأساسي في الحزب , وهو من الطبقة الوسطى من البيض في وضع اقتصادي متدهور . ولم يواكب  التوظيف الكامل الذي جرى في أعقاب أزمة الرهون العقارية  أي زيادة في الأجور . حيث ازدادت ديون الأسر , ولم يعد الأهل قادرين على دفع تكاليف دراسة ابنائهم وتسديد قرضهم العقاري  بينما زاد المهاجرون الضغوط على أصحاب الأجور الأضعف .‏

وعلى الرغم من الغموض الذي يلفه , سكّنت مقترحات ترامب  مخاوف وهواجس تلك الطبقة الوسطى , ويمول ترامب الذي ًعرف عنه  مواقفه المتشددة  والاستفزازية في قضية الهجرة ( وقد انضم إليه في تلك المسألة مرشحون جمهوريون آخرون )  حملته بأمواله الخاصة , أي ليس مضطراً إلى ارضاء أصحاب المليارات الأثرياء , في وقت يقترح فيه الانتهاء من الاعفاءات الضريبية لأصحاب الصناديق الاستثمارية .‏

لقد سلطت ظاهرة ترامب الأضواء على سوء التفاهم الذي برز منذ مطلع ولاية اوباما , حينما هزت حركة حزب الشاي المحافظ المتطرف الراديكالي البلاد . وكتب الصحفي ديفيد فروم في آخر أعداد صحيفة الأطلسي « على الرغم من الوضوح , فإن المانحين للحزب الجمهوري اعتبروا حزب الشاي بمثابة حركة مناسبة للمقترحات التي تناولتها افتتاحيات صحيفة وول ستريت جورنال».‏

ومع ذلك يريد الناشطون في تلك الحركة حماية الطبقات الوسطى قبل مكافأة النخب .‏

وفيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية , لا شك أنها تلعب دوراً مهماً لدى الجمهوريين , ولكن يبدو أنها صارت تحتل صفاً ثانياً في اهتماماتهم . وعلى الرغم من ذلك لم يستطع المرشح تيد كروز المحافظ  أكثر من ترامب تجاوز القيم الدينية والاخلاقية  . وقد ضمنت سارة بيلين في دعمها للمرشح ترامب  قسماً كبيراً من أصوات الانجيليين .‏

هذا وقد وجد إخفاق الحزب الجمهوري  ما يضاهيه لدى الحزب الديمقراطي . حيث يمكن تفسير فوز السيناتور بيرني ساندرز عن ولاية فيرمونت , المرشح المنافس لهيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي كانعكاس لنجاح ترامب . ففي مواجهة حزب ديمقراطي ملائم منذ ولاية بيل كلينتون ( للشركات الكبرى ) ولسوق وول ستريت موقف يحجب عبر كلمات أكثر تقدمية قضايا اجتماعية , مثل الدفاع عن الأقليات , الزواج المثلي والاجهاض , وجسد ساندرز بنفسه المدافع عن الطبقات الوسطى والشباب المجاز جامعياً . وقد أعرب عن مواقفه المناهضة لاتفاقيات التبادل الحر ودعا إلى إعادة توزيع الثروات..‏

وبالتالي فإنه حتى ولو كان خيار المرشحين المتطرفين يبعث على القلق , فإن عودة الناخب إلى المسار الديمقراطي هو الحدث الجيد في الانتخابات التمهيدية الأميركية لعام 2016 . وتخوف المراقبون بالفعل منذ توقف منظمة سيتيزن يونايتد في عام 2010 , والتي من خلالها كانت المحكمة العليا تزيل أي سقف لتبرعات الشركات والنقابات في الحملات الانتخابية , من الدور الكبير للمال في الحملات الانتخابية وفي سياسة البلاد بشكل عام . وكان كلا الحزبين مصرين على التضحية بمصالح ناخبيهم بدلاً من مانحيهم .‏

وضمن هذا السياق بوسعنا أن نشهد خلال انتخابات 2016 نهاية حقبة في السياسة الأميركية , حقبة المال – الملك . لأن الناخب في النهاية رفض أن يلعب اللعبة . وأظهر من خلال تخليه عن المرشحين « الكبار « حيث برامجهم تفضل النخب عن الطبقة الوسطى  أن مال المانحين لا يمكنه شراء الانتخابات . وأظهرت الديمقراطية الأميركية مرونتها .‏

فما الذي سيحدث الآن ؟ وما هي ردود فعل الأحزاب ؟ على الأرجح إن الرئيس المقبل سوف يعين عدة قضاة جدد في المحكمة العليا . وهذه المحكمة بدورها سوف تسعى لوضع نظام تمويل مقيد للحياة السياسية . وهذا النظام سيتيح للسياسيين لأن يكونوا  أكثر اهتماماً بالناخب الفعلي .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية