وللحال سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإلقاء التهمة جزافاً على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.. ومغزى هذا الموقف المتصلب لحكومة نتنياهو ممارسة المزيد من الضغوطات على الهند وإلزامها الحد من علاقاتها مع طهران.
ورغم تشديد العقوبات الدولية على إيران لاستمرارها في تطوير برنامجها النووي وصولاً لصنع سلاح ذري على حد دعم المجتمع الدولي، لم تبال الهند بالأمر البتة ومضت في زيادة وارادتها من النفط الإيراني بل وراحت تعلن عقب حادثة تفجير الحافلة الدبلوماسية الإسرائيلية على أراضيها عزمها إرسال وفد تجاري رفيع المستوى إلى طهران..
العلاقات الهندو- الإيرانية آخذة في التطور السريع خاصة في مجال الدفاع وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وحتى هذه اللحظة المشحونة بردود أفعال حادثة الحافلة الإسرائيلية لم تتجرأ «إسرائيل» على توجيه انتقاد علني للعلاقة بين نيودلهي وطهران، مع العلم أن أعضاء في الكونغرس الأميركي كانوا عبروا عن قلقهم البالغ بشأن الاتصالات العسكرية بين الجانبين خصوصاً في خضم المفاوضات الهندية- الأميركية الجارية حول المشروع النووي السلمي الإيراني..
الهند مدينة لإيران بـ 12-15٪ من حاجتها للبترول، مع لجوئها أيضاً لاستخدام مينائها «chalahen» لتحويل ونقل ما لديها من سلع إلى أفغانستان نظراً لكون باكستان ترفض عبور هذه السلع والبضائع من أراضيها.. الهند وإيران معاً ساهماً بشكل وثيق في مكافحة طالبان فترة قيادتهم أفغانستان وامتدت من عام 1991 حتى 2001 ومن الضرورة بمكان ، على الأرجح، أن تعيد الهند تأسيس تعاون كهذا مع إيران في سبيل حماية مصالحها في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية من أراضيها..
فعلت الهند كل ما بوسعها لإعادة إطلاق شراكة استراتيجية مع أميركا و حلفائها لأقصى درجة ممكنة، و أيضاً مع إيران المرتبطة معها بعلاقات تقليدية ضيقة،قبل ست سنوات من الآن لجأت الهند للتصويت ضد إيران في أثناء المداولات الرئيسة الثلاث لوكالة الطاقة الذرية الدولية.. وبفعل ضغوطات أميركية مكثفة سارعت نيودلهي لوقف المفاوضات بشأن مد خطوط أنابيب نفطية بين إيران و باكستان..
ومع ذلك تبدي نيودلهي تحفظاً واضحاً في هذه الآونة بخصوص تقليص علاقاتها التجارية مع إيران، و في الواقع زادت الهند من وارداتها للبترول الإيراني خلال الخريف الماضي وأوائل السنة الجارية بنسبة قدرها 37٪ وما زالت مصرة على التفاوض بشأن اتفاقيات مقايضة بدلاً من البترول الإيراني بهدف التوصل لاحتواء العقوبات الدولية و الالتفاف عليها. ويبدو أنها تسعى أيضاً لاستعادة أرضها المفقودة عبر علاقاتها الدبلوماسية مع إيران..
تتضمن الاتفاقيات وجوب اللجوء إلى مصرف هندي للدفع للشركات الهندية التي تصدر السلع إلى إيران بالعملة (الروبية) ويبدو أن طهران مستعدة لقبول التعامل بهذه العملة بدلاً من الدولار لتسديد حوالي نصف المبلغ وقدره 11 مليار دولار ثمناً للبترول الذي تشتريه الهند منها كل سنة..
قد تصبح مسألة تحقيق تهدئة بالنسبة للهند و إيران من جهة والولايات المتحدة و إسرائيل من جهة أخرى أكثر صعوبة، و سيكون الأمر شائكاً أيضاً بالنسبة للضباط الهنود و محاولاتهم التستر على علاقاتهم التجارية المزدهرة مع إيران، فضلاً عن إثبات عملية استهداف دبلوماسيين إسرائيليين فوق الأراضي الهندية و تحديداً في العاصمة نيودلهي.. وعليه يفترض بالهند العمل بشكل جدي للموازنة بين تجارتها للبترول مع إيران وشراكتها العسكرية المزدهرة مع إسرائيل. ويتحتم على الاثنين معاً.
إسرائيل والهند أن توقعا خلال الشهور المقبلة على عدد مهم من العقود العسكرية تشمل إنتاجاً مشتركاً وانتقال التكنولوجيا الإسرائيلية المهمة إلى أراضي الهند..
في الواقع، تعتمد الاستراتيجية الهندية في مهارتها على الحفاظ على توازن بين الدور الهندي، بصفتها (الهند) قوة دولية متنامية، و ضرورة النجاة بنفسها من احتمال تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي والاستراتيجية ملك ولابد أن تكون على المحك في الأشهر المقبلة حيث من المتوقع زيادة تصعيد المواجهة الدولية ضد إيران..
على أي حال يتحتم على أميركا زيادة ضغوطاتها على الهند حتى الإقرار بموافقتها على نظام العقوبات الدولية ضد إيران وعلى الضباط الأميركيين بدورهم أن يبدوا مزيداً من الاهتمام للانشغالات وللقلق الذي يعتري الهند حيال أفغانستان وأن يستمروا في سعيهم لطمأنة نظرائهم من الهنود حول واقع أن واشنطن سوف تسعى لتمتين علاقاتها الدبلوماسية و المالية وحتى العسكرية إلى حد ما مع أفغانستان بعد عام 2014، المقرر تعيينه لإتمام وإنهاء العمليات العسكرية الأميركية في أراضيها..
كما ويجب على واشنطن نزع كل شك أو شبهة تستند عليها جدلاً لعقد اتفاق مع طالبان، هؤلاء الذين لاينفكون عن تحفيز وتشجيع المتطرفين المتواجدين في هذا الإقليم مع استمرارهم في التضحية بالتطورات الاجتماعية التي تحققت لقاء جهود شاقة ومضنية لعشر سنوات خلت..
بقلم ليزا كورتيز - باحثة وكاتبة