تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تعزيز ثقافة المهنة... واجب أسري ومجتمعي

مجتمع
الأربعاء 7-3-2012
رويدة سليمان

يقول أبو حيان التوحيدي في كتابه الموسوعي «الإمتاع والمؤانسة»: (وقيل ما المهنة؟ فقال حركة يتعاطاها الإنسان بلا حفز ولا استكراه والمهنة صناعة ولكنها إلى الذل أقرب، وفي الضّعة أدخل).

ويوم قامت المهاجاة بين جرير والفرزدق لم يجد جرير ما يهجو به الفرزدق خيراً من تعبيره بأن أباه كان حداداً.‏

لطالما تمنيت مزاولة عمل آخر.. عملاً مكتبياً: مكتب وكرسي وختم وتوقيع لأسترد كبريائي الذي هدره لقب (صانع أو حرفي) هذه أمنية لأبي محمد النجار الذي كره مهنة النجارة، مهنة أجداده وآبائه، هذه الحرفة التي ينظر إليها الأغلبية نظرة استهزاء بأصحابها واستصغار لشأنهم، رغم أننا في حياتنا اليومية يتعذر علينا أحياناً إيجاد مهني خبير لبعض الأعمال وتزداد حاجتنا إليه يوماً بعد يوم.‏

لماذا هذا الموقف السلبي من العمل اليدوي؟ وكيف السبيل لتغيير نظرة الأبناء ولا أعتقد أن أحداً من الآباء يتمنى أن يصبح ابنه حداداً أو خياطاً أو نجاراً بل يهددونهم في حال تراجعهم الدراسي بتأديبهم وعقابهم وذلك بوضعهم عند معلم حرفة للتعلم والتدرب؟!‏

ضرورة اجتماعية وحضارية‏

د. نايف الأشقر جامعة البعث أجاب عن تساؤلاتنا تحت عنوان ثقافة العمل بين الموروث وآفاق التغيير بقوله:‏

يدل العمل في المعجم العربي إضافة إلى العمل اليدوي على شغل حيز مكاني ويفيد أيضاً العمل الفكري ولاسيما حين ينشغل الفرد بفكرة معينة فيقال مثلاً هذه الفكرة تشغل ذهن هذا الشخص، بل إن كلمة صناعة في اللغة العربية تنتقل من مستوى الحرفة لتشمل العمل الفكري فلدينا مثلاً صناعة النحو والإنشاء وصناعة الأدب.‏

وتطلق كلمة العمل أيضاً للدلالة على معنى الوظيفة أو الحرفة الحرة أو الصناعة ولا يمكن أن يكون العمل البشري نشاطاً مادياً وحسب، وفي كل عمل بشري مهما كانت بساطته هو عنصر ذهني لا يمكن إنكاره والعمل ظاهرة مرتبطة منذ القديم بتحقيق الحاجات الضرورية في حياة الإنسان ولكن المجتمعات القديمة كانت تميز عملاً من آخر، فاليونان مثلاً كانوا يستهجنون العمل اليدوي، لقد كان أفلاطون وأرسطو ينظران إلى العمل ويربطانه بالعمل اليدوي ومن ثمة فهو عمل لا يصلح إلا للرعاع والعبيد، وهو مصدر النقص والاضطراب والعبودية والانحطاط والموقف نفسه نجده في حضارات بلاد الرافدين، وعند الصينيين والهنود والرومان وكان شيشرون يرى أنه من غير الممكن لأي شيء نبيل أن يخرج من دكان أو ورشة.‏

وكان نيتشه يرفض العمل اليدوي لأنه يراه شيئاً يتنافى مع القيم الارستقراطية التي تعبر عن عدم الحاجة إلى العمل وضرورة الانصراف إلى العمل الفكري والمطالعة وكتابة الرسائل الطويلة.‏

وقد كان موقف العرب قبل الإسلام وأعني هنا العرب سكان الجزيرة العربية وما جاورها موقفاً حاداً مشبعاً باحتقار العمل وأصحابه وقد جاء في مقاييس اللغة لابن فارس وهو معجم غني بتأصيل الألفاظ العربية والبحث في أصل المعاني الموضوعة لكل جذر من جذور اللغة:‏

(المهن: يدل على احتقار وحقارة في الشيء، والمهنة هي الخدمة والماهن هو العبد الخادم) ولا يبعد مصطلح الحرفة في معانيه عن هذه الدلالات غير المستحبة لصاحبها فالحرفة قد تكون خسيسة إذا كانت متصلة بعمل يدوي فيه شيء من القذارة كالدباغة والحدادة مثلاً.‏

ولاستصغار العرب الحرف اليدوية لم يقبل عليها الأحرار وأبناء البيوت.‏

وكان ثناء العرب منصباً على العمل بالتجارة فهي من أشرف ما يشتغل به الإنسان وقد اشتغل بها أكثر أشراف مكة، ونجد في الموروث أيضاً ثناءً خجولاً على من يتقن صنعته ومهنته ويتجه هذا المديح إلى الصناع من الناس الذين هم في درجة منخفضة في السلم الاجتماعي ونعثر على هذا الثناء أيضاً على المرأة التي تتقن الصناعة حتى إنهم خصصوها بصيغ لغوية خاصة فقيل: (امرأة صناع).‏

العمل.. أداة لحفظ الكرامة الإنسانية‏

أما موقف الاسلام من العمل فقد شرحه د. نايف شقير قائلاً: جهد الاسلام في تجاوز عادات وقيم في وجدان العرب فأعاد بتعاليمه وقيمه للعمل قيمته ورفض أن يكون العمل عنواناً للعبودية والانحطاط وجعله حقاً وواجباً ونعمة وعبادة، والعمل في الاسلام كل جهد جسدي أو روحي، شريف ومنتج يبذله الإنسان لكسب العيش أو لأداء واجباته نحو ذاته أو مجتمعه أو ربه.‏

والعمل قوة للتغلب على الكسل ومواجهة المشكلات اليومية للحياة وهو تعبير عن الالتزام بالواجب وأداة لحفظ الكرامة الإنسانية وصيانتها ووسيلة للتحرر من الاستلاب ودواء لمعالجة الكثير من الأمراض الأخلاقية والاجتماعية.‏

إن دراسة مفهوم العمل المهني في الاسلام وإحياء المبادئ والقيم المثلى التي جاء بها تنبثق أهميتها من كون العمل أداة التطور والبناء والتقدم الحضاري وهو ضرورة اجتماعية وحضارية خلال العصر الحديث لما يحتله من مكانة متميزة.‏

ويوصي د. نايف شقير بأهمية تعزيز مفهوم العمل بوصفه قيمة وليس وسيلة للدخل وحسب وإن سلوكنا وتربيتنا لأولادنا مسؤولة في المقام الأول عن نظرتنا الدونية للعمل اليدوي واحتقار ممارسيه ونشوء ما يعرف بالبطالة المقنعة أي الذين يحتلون وظائف ولا يقدمون لمجتمعاتهم ما يفيد ولا يقدرون المسؤولية علينا أن نغرس في نفوس أبنائنا حب العمل وأنه لاشيء دون مقابل وإلى جانب المسؤوليات الملقاة على عاتق الأسرة هناك جهات رسمية ومؤسسات تساعد في تغيير هذا الموروث غير الحميد، تلك النظرة التقليدية السائدة تجاه مجالات العمل وتعزيز مفهوم العمل اليدوي والمهني.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية