تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كاتب ياسين... أسئلة للأجداد

كتب
الأربعاء 7-3-2012
لقد ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية أدب جزائري قوي ناضج لمعت من خلاله أسماء كبيرة: مولود فرعون، مولود معمري، محمد ديب، مالك حداد، كاتب ياسين.

وكاتب ياسين كاتب رواية (نجمة) الشهيرة.‏

وصاحب عدد من المجموعات الشعرية والمسرحيات، يعتبر من أشد كتاب الجزائر عمقاً وأصالة، وهو أشدهم ارتباطاً بالماضي يقف عنده كما يقف المسافر في زورق تائه تتقاذفه الرياح والأمواج ذات اليمين وذات الشمال، إنه ينصت للرياح التي تهب على الجزائر، إنه يحكي عن مواطنيه المتخاذلين عمّن أفقدتهم الصدمة صوابهم فجرفتهم إلى لجة الانحلال عن الخونة والجواسيس، إنه يتحدث عن الوحش الفرنسي الضاري المنشب مخالبه في جسده ثم ينتقل من رياح الشر إلى نسمات الخلاص، كل ذلك بلغة بالغة الروعة، واقعية إلى أبعد الحدود، رمزية حتى الإغراق، شعرية..‏

ذلك هو الأسلوب الذي يطلق عليه الأديب الفرنسي (إدوار غليسان) اسم الواقعية الشعرية.‏

إن الطابع الرمزي الذي يطغى على مؤلفاته يتجلى أبرز ما يتجلى في استخدامه شخصيات رمزية كشخصية (نجمة) والأخضر وطاهر ومارغريت.‏

ولأجل اكتناه مدلولها- يجد القارئ نفسه مضطراً إلى تتبعها في أكثر من مؤلف، إن رموزه هذه شخصيات تتردد في كل مؤلفاته تقريباً، ولم لا؟! فموضوعه هو .. هو: الجزائر التي تصارع في سبيل الحياة والقوى المتصارعة هي .. هي: إنهم المجاهدون في جانب والاستعمار وأعوانه من جانب آخر.‏

والمكان هو.. هو: الجزائر أرض المعركة.‏

مترجمة نص مسرحية الجثة المطوقة والأجداد يزدادون ضراوة، الدكتورة ملكة أبيض في مقدمتها تستعين برواية نجمة لإلقاء ضوء على مسرحية (الجثة المطوقة) التي استلهمتها من أحداث 8 أيار عام 1945 الدامية تلك الأحداث التي شكلت رد فعل عنيف من المستعمر الفرنسي على تظاهرات الشعب الجزائري المطالبة بالاستقلال وبسبب مشاركة كاتب ياسين في تلك الأحداث اعتقل وفصل من المدرسة.‏

إدوار غليسان يقول عن مسرحية الجثة المطوقة في مقدمته: (هناك مؤلفات تغوص إلى أعماق عصرنا بقوة وتقيم نفسها جذوراً لا محيد عنها لهذا العصر، تمثله بدقة، وتستخلص منه نشيده العميق، إن ميزتها الرئيسية تتلخص في أنها تنظر إلى العالم وكأنه جهد أو عمل يجب أن ينجز لا كسر غامض ينبغي أن نجاهد بلذة لاكتشافه.‏

إنها ترى العالم وحدة مجزأة يجب الوصول في النهاية إلى وحدتها لا كجوهر غامض يكاد يستحيل الاقتراب منه.‏

لذلك لم تكن هذه المؤلفات لتكتفي بالمرور على سطح الأشياء والعالم لتقدم عن كل ذلك لمحات (موضوعية) أو رؤى أحلام بل نراها تعمل جاهدة على التغلغل في الحقيقة بطريقة أشد ما تكون التصاقاً بالأعماق إنها تؤثر ألا تتعرض للحقائق إلا من زواياها الحادة، من عقدها الحساسة التي يملك الشعراء وحدهم القدرة على كشفها والإحاطة بها هذا الأسلوب الذي يتجاوز الرتابة الباهتة للواقعية الكاملة التي لا تريد أن تهمل ولا تهمل شيئاً من التفاصيل فتجرد الواقع من قوته الحقيقية هذا الأسلوب هو أسلوب مسرحبات كاتب ياسين).‏

مسرحية الجثة المطوقة تكلمت عن العالم عن عالمنا كما تراه مؤلفات النشيد العميق ..كجهد.. كوحدة مجزأة ينبغي إعادتها إلى وحدتها كيف لا يفهم المرء بأن هذه النظرة التي تبني عالمنا كله على أساس شاعري هي في الوقت ذات نظرة مبنية على أساس إنساني في واقعنا اليومي الأكثر ابتذالاً والأكثر إغاظة.‏

أليست هي مأساتنا جميعاً التي ترتسم هنا من وراء القتال والصدمات والحروب بين الشعوب.. إن النتاج المسرحي لكاتب ياسين صورة مثالية لهذه المأساة المعاصرة المأساة التي يحاول بها الفن عامة والفن المسرحي على الأخص، أن يتصل بالعالم ويجعله ينسجم معه ويوضح بهذا الشكل القدر المشترك لجميع البشر.‏

إن الحقيقة التي يعبر عنها هنا هي حقيقة الشعب.. الجزائري سواء ذلك في المأساتين: (الجثة المطوقة) والأجداد يزدادون ضراوة.. في هذا الزمن يفسح الكاتب المجال لنجمة (الجثة المطوقة) أن تتكامل في الأعماق لتنقلب المرأة الضارية في مسرحية (الأجداد).‏

إنها الجزائر التي تعطي هذا المعنى الحي للتفاصيل الممتعة والحركات الصافية والشعر الذي لا حدود له.‏

ينتج من ذلك أن الرموز التي يلجأ إليها كاتب ياسين في مسرحياته كرمز الأجداد مثلاً لا تتدخل في فنه كمعرض فارغ يغطي الواقع بقناع زائف وإنما هي تجسيد شعري نابض بالحياة لهذا الواقع.‏

بهذه المميزات والخصائص الجديدة نرى أنفسنا أمام مسرح عظيم حقاً وكل من يقرأ نتاج كاتب ياسين لابد أن تستوقفه لغة الشعر، كاتب ياسين لا يتردد في أن يعبر بغموض عما هو غامض مظلم في الإنسان.‏

ولكنه ينفجر في خطوط دقيقة عندما يرى أن هناك حقائق يجب إبرازها دون لف أو دوران.‏

إن لغة كهذه تتناوبها الحرارة والظلمة كليلة صيف إن لغة كهذه لتلائم كل الملاءمة هذا المشروع الهائل.‏

إنها لا تضحي بعظمة الفن أمام الهدف الذي ترمي إليه ولا تجعل من الهدف النبيل ضحية للتعبير الهزيل.‏

ولد كاتب ياسين في 26 آب 1929 في كوندة - سماندو التابعة لقسنطينة وهو ينحدر من قبيلة عريقة في العلم والأدب انقطعت دراسته الثانوية في ثانوية (سطيف) عندما أوقف وهو لم يتجاوز السادسة عشرة وأودع السجن إثر أحداث 8 أيار عام 1945 في الجزائر، ثم أطلق سراحه بعد عدة أشهر، في عام 1946 نشر أول مجموعة شعرية باسم نجوى وفي عام 1947 سافر لأول مرة إلى فرنسا وبقي فيها نحو تسعة أشهر، وفي عام 1948 سافر للمرة الثانية إلى فرنسا ونشر قصيدة نجمة في (الميركورده فرانس).‏

1949 عمل مراسلاً صحفياً في صحيفة الجزائر الجمهورية فأتيح له المجال ليطوف في العربية السعودية والسودان المصري ويسافر مرة إلى آسيا الوسطى السوفييتية وفي الأثناء نشر عدة قصائد في باريس والجزائر، في 1950 توفي والده فحمل أعباء الأسرة وفي 1951 ترك الصحافة واضطر إلى أن يعمل حمالاً في مرفأ الجزائر.‏

ثم تلت هذه الفترة القاسية فترة بطالة أقسى فعاد إلى فرنسا وعمل هناك خادماً في مزرعة ثم عاملاً زراعياً، ثم عامل بناء ومساعد كهربائي 1954، وقف جل وقته على الانتاج الأدبي بعد أن أمده بالمساعدة بعض إخوانه فأخرج رائعته الطويلة رواية (نجمة) ثم مسرحية (الجثة المطوقة) حيث قدمت على مسارح بروكسل.‏

إنه كاتب ياسين الذي نقل الواقع إلى لغة الشعر الجميل ميز الأدب الجزائري الذي تميز بالالتزام (نحن ملتزمون) كما قال مالك حداد (قد يشغل غيرنا عبث الحياة وقد يفلسف بعضهم القلق والسأم).‏

الكتاب ترجمة د. ملكة أبيض صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب قطع صغير في 160 صفحة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية