تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المخزون السياسي والقوة الوطنية السورية

شؤون سياسية
الخميس 29-11-2012
 بقلم الدكتور فايز عز الدين

لم تعد ثمة أمورٌ غامضة الصورة, وغير واضحة المعالم في الأزمة السورية المعاشة منذ قرابة السنتين, حيث إن المخزون السياسي الذي تتحرك فيه الدولة, والمجموع الشعبي بقواه, ومكوناته السياسية, والاجتماعية, والأثنية,

لا يزال يفتح الأبواب الوطنية إلى المزيد من التفاهم, والتقارب, والحوار, والبحث عن الحلول المشتركة التي تنسجم مع سيادة الوطن, وقراراته الاستقلالية, ومهامه ضمن جبهة المقاومة العربية ضد الكيان الصهيوني العنصري الاستيطاني وداعميه من قوى الاستعمار الإمبريالي الغربي ومَنْ يستتبعونه.‏

وهذا المخزون استناداً إلى قواه الوطنية المنخرطة بمناهضة العنف, والسعي إلى عدم التدخل الخارجي في سورية خيفة أن تدمّر الدولة , ويتشرذم الوطن تعمل جهات خارج الوطن من المعارضات السورية, أو ممن يقفون مؤقتاً داعمين لها عن استنفاذ هذا المخزون حتى تصل الأمور إلى الطرق المسدودة – كما ترغب أميركا ومعها أوروبا وإسرائيل – وتتوافر شروط التدخل الخارجي التي ستدمّر حاضر السوريين ومستقبلهم الجيوتاريخي, وتحذف من الخارطة الراهنة – خارطة سايكس بيكو – دولة ووطناً كان قلعة للعروبة الصامدة ضد أحلام الغزاة الصهاينة. عندئذٍ تفتح حدود العرب أمام الشرطة الإسرائيلية, والموساد إلى أي نقطة يريدون الوصول إليها من حدود العرب التي ستغدو مفتوحة ولا يحرسها أحد. وربما يقول لنا محلل سياسي مفكر: إن هذا القول يمثل تكبيراً مقصوداً لحجم الخطورة المحتملة, ولا ينسجم مع واقع ما سوف يحصل, والوقائع المرسومة فيه. والرّدُّ طبيعي ليس من الذهن بل من مناطق ما سمّوه الربيع العربي وخاصة بعد قرارات الرئيس المصري محمد مرسي وإعلانه الدستوري الذي نصّب نفسه فيه فرعوناً جديداً لمصر تحت لافتة الحرية, والعدالة, وحقوق الإنسان, والحرص على الثورة. وهاهي ذي مصر عبد الناصر تقف بوجه المشروع الرامي إلى أخونة الدولة المصرية, والمؤسسات الشعبية؛ ولم يبقَ الحال على هذا المنوال بل في ما سموه التهدئة في الحروب العدوانية الأخيرة على المقاومة في غزة وقف رأس النظام في مصر مع الشروط الإسرائيلية للتهدئة وجرَّ معه الخط التصفوي ( الحمساوي ) إلى الموافقة على ما سوف يكون في صالح إسرائيل, وليس في صالح غزة المقاومة ويثور السؤال التالي, ونحن نفكّر بالمخزون الوطني للذين يقودون حماس اليوم وهو كيف استطاع عرب الجامعة المرتهنة أن يعمَلوا على إنقاذ إسرائيل من كارثة حربها على غزة, ولم يرسلوا إلى غزة استشهادي واحد, أو جهادي واحد كما تأخذهم الحمية في إرسال هؤلاء إلى سورية, وكيف لا حاجة إلى مجلس أمن ولا قرارات ضد إسرائيل, ولا حاجة إلى مؤتمرات أصدقاء غزّة, ولا مجلس في اسطنبول من أجل غزة, وضد إسرائيل ولا حاجة إلى متطوعين من القاعدة مع غزّة, نعم كل ذلك ما كانت الحاجة إليه ولم تكن لأن الجميع كانوا ينتظرون وصول كلينتون إلى المنطقة, والحلول معها ولو كانت في صالح إسرائيل لأن المعنيين بوصولها هم جاهزون لخدمتها. وخدمة إسرائيل وليس بحوزتهم مخزون عربي سيادي يأخذهم خارج هذه السكة. ومن أعجب العجاب أن التفاوض مع إسرائيل ممكن وواجب, وزيارتها ممكنة وواجبة, وأن رئيس الكيان الصهيوني هو الصديق العظيم, ونذكر يوماً قال فيه أبو رقيبة عن ضرورة القبول بالتفاوض مع إسرائيل كيف هبّ الشارع العربي عليه والمخلصون في النظام الرسمي العربي وعُزل ذلك الرئيس لسنوات جرّاء رغبته المشبوهة آنذاك. واليوم يُخاطب الرئيس القادم من الربيع العربي ويدّعي أنه أهم رئيس عربي لحجم دولته الكبير وآتٍ للعرب والمقاومة بما لم يستطعه الأوائل يخاطب بيريز بالصديق العظيم, ويتعهد لهذا الأخير بالحرص على كامب ديفيد وملحقاته السرية, وهو ما يزال على منصة التبشير بالنظام الديمقراطي الحر السيادي لمصر العروبة, ولا يأبه أحد من العرب بمقولته الخيانية, وكأن لدى الجميع إقراراً بعظمة صديق الرئيس مرسي. ولم تنتهِ الفترة الوجيزة على المقول المشار إليها حتى بدأت الحرب على غزة. ومع هذا تجاوز العرب جراح غزة, وباعوها كما باعوا فلسطين من قبل, واستعجلوا بأن يطووا الملف الغزاوي فالملف السوري هو ملف العدو الحقيقي عند المستتبعين العرب للأمروصهاينة , ومخطئ نتنياهو بأنه أجبر هؤلاء على تغيير وجهة النظر من سورية العدوة المعادية التي يجب أن يتم الجهاد فيها إلى إسرائيل العظيمة بصديقها العظيم. وفي الموضوع السوري لا تفاوض مع سورية, ولا زيارة لموسكو من أجلها كما قال الأستاذ هيثم منّاع رئيس هيئة التنسيق في المهجر كما يسمونه. إذاً؛ سورية لا تفاوض معها, وإسرائيل مرحب بها وبمشروعها, وعدواناتها. والدم السوري مباحٌ,وتدمير الوطن السوري مباح, بينما إسرائيل مصانة, وتحتاج دوماً إلى مواقف الرعاية والتطمين من عرب أميركا. فإذا كان الربيع الذي أتى بمرسي, وأرسى من جديد على شواطئ الاستسلام العربي مراكبه, وسوف تضيع معه صورة مصر التاريخية في الوقوف مع القضايا العربية العادلة, وأن إسرائيل اليوم لم تعد مهددةً لأحدٍ من العرب وسامحها الله بالأرض والتاريخ ولتهوّد ما تشاء, ولتطرد, أو تعتقل مَنْ تشاء فلم تعد العدو كما قلنا؛ إذا كان هذا هو منطلق المستعربين فإن المخزون السياسي في سورية, والقوة الوطنيةَ الحيّة فيها لن تذهب فيما ذهب إليه هؤلاء المعنيون, وفي لحظة جمّعوا أكثر من مائة دولة من هذا العالم ضد سورية, كانت سورياةتدخل الخندق المقاوم مع غزة, وتقاتل مع المقاومين, وانكشفت للقريب, والبعيد أسباب القوة التي تملكها المقاومة في غزة التي تهزم إسرائيل للمرة الثانية وخاصة أن كلينتون قد أتت إلى المنطقة بسرعة حتى تنقذ إسرائيل من ورطة الهجوم البري, وتحقق لها بالهدنة ما لا تستطيع تحقيقه بالحرب العدوانية وحصل ذلك,وبدل أن يقف العرب المستتبعون بُعَيْدَ هذه الحرب مع سورية الداعمة للمقاومة استداروا من جديد لتدمير المخزون السياسي والقوة الوطنية لها, ولكنهم عاجزون.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية