تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


إنها الذكرى

معاً على الطريق
الخميس29-11-2012
لينا كيلاني

إنها الذكرى.. لعلي أقتطف هذا العنوان من مقالاتها التي لا حصر لها.. وفي هذه الزاوية بالتحديد... ونحن. كما قال القائمون على هذه الزاوية بكل الوفاء. أقول ونحن معاً لا نزال على الطريق.

عام مضى ولم يبق على انتهائه إلا يومان منذ أن فارقتني.. أمي.. أديبة عرفتها سورية منذ البدايات.. واحتضنتها دمشق أيقونة في صدرها.. بل هي رمز من رموزها.. إنها (قمر كيلاني) تلك الأديبة التي عرفت بوجهها الدمشقي، وانتمائها الأصيل للوطن وللعروبة.‏

وإذ تذوب الأحزان الفردية والشخصية في أحزان الوطن أجدني وقلبي يفيض بالدمع لا أستطيع أن أميز الآن بين وجه أمي ووجه الوطن.. تتراءى لي صورته في ذكراها.. وتمتزج عندي صورة وجهها مع ملامح الوطن.. هذا الذي حملته هي بين ضلوعها شعلة نور لم تغب عنها.. وهي بالتالي ما فارقته حتى عندما كانت تسافر إلى أبعد نقاط الأرض.‏

ترى هل يحق لي أن أتحدث عنها كأم أو كأديبة ونحن في زمن اجتراح الأوطان؟ لا بل إنني سأتحدث عنها كمواطنة عربية سورية، والعروبة في وطننا تسبق انتماءنا السوري. (قمر كيلاني) الأديبة السورية ما كانت في يوم بعيدة عن هموم الوطن بل إنها مثل كثير غيرها الأكثر التصاقاً به.. والأكثر تعبيراً عنه في كل المراحل التي عاشتها وعايشتها.. في الحرب والسلام.. في أوقات الشدة وفي زمن الرخاء.. عندما كان الوطن متألقاً وفي وقت الابتلاء.‏

تراها ماذا كانت ستكتب الآن لو بقيت بيننا عن هموم الوطن وهي التي كرست من رواياتها ما هو عن نكسة 67، وعن تشرين، وعن فلسطين، ومن مقالاتها ما هو عن بغداد، وغزة، وقالت إنها العزة؟ لابد أنها كانت ستسير على الطريق ذاتها وبالحماسة ذاتها.. حماسة كانت تصل عبر السطور إلى قرائها وإذا بالرسائل الالكترونية تصل بالتالي إلى بريدها بالعشرات نقرؤها معاً هي وأنا.. وألمح في بريق عينيها إشراقة أمل بل آمال عريضات بمساحة الوطن.‏

ماذا أقول عن (قمر) في ذكرى رحيلها الأولى؟ هل أقول إنني أفتقدها كما افتقدها الوطن.. أم أقول إنها نخلة عادت لتنغرس فيه ولو تحت ترابه فيما يستطيع أحد أن ينتزعها منه بعد الآن.. تراب حنون يحمل تراثنا وأصالتنا، وكل ماضينا وتاريخنا.. نحن منه وهو منا.‏

لقد آمنت (قمر) بالإنسان.. وأنه قادر على صنع المعجزات.. وفي آخر مقال لها نشر في هذه الزاوية حملّته عنواناً عريضاً (الإنسان أغلى ما في الأكوان) كانت تعقد المقارنة بين علم متفوق، وتطور مذهل وصل إليهما البشر ولو دقق فيهما لاكتشف المرء أنهما يخدمان السلاح، والثروة، والقتل، وبين ما تعمل عليه المخابر والأبحاث في سبيل إشفاء المريض من أمراضه مهما كانت عسيرة وتؤدي إلى الموت..‏

مقارنة هي في الحقيقة مفارقة بين إهدار الحياة من جانب والعمل على إنقاذها وبقائها من جانب آخر... بين من يدفعون الأثمان ومن يدفعون للاستيلاء على العالم.. والضحايا ليسوا أعداداً معدودة بل شعوب بأسرها ولكن الإنسان في رأيها يظل أغلى ما في الأكوان، ولابد أن نقتنع بذلك لتتراجع أيدينا عن مسه بأي سوء ولو كان حتى افتراضياً؟ أما الإنسان في هذه البلاد فهو يحمل إرث الحضارة ولابد أنه وحده من سيحمل الأوطان لا جرحاً نازفاً بل عشبة للبقاء والنماء.‏

إنها الذكرى.. تحملها القلوب.. ذكرى من رحلوا عنا وتركوا لنا كلماتهم المضيئة وهي تتوهج بيننا ومن حولنا وكأنهم ما رحلوا عنا.‏

وها أنت أيتها (القمر) ستظلين معنا ما دام نبض كلماتك يخفق أمامنا.. وصداها يتردد بيننا.‏

أما أنا فإنني بحاجة لألف آلة زمن ألملم بها ما أنفقت من ذكريات الماضي، ماضيّ معك أيتها الحبيبة الراحلة.. وما رحلت عن دنياي... ولا عن دنيا من عرفوك.. فحضورك الذي كان مشعاً مازال يأتلق.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية